هاتفني قبل أسابيع صديقي ليخبرني بنبأ حصول ابنه على عرض وظيفي في الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك". لأول مرة أسمع صوته يمتلئ فرحا. صوت يشبه أصوات الفائزين بجائزة أو بطولة كبرى. سعادة ترسم وتستذكر. لكن سرعان ما تحول العرس الذي يسكن صدره إلى سرادق عزاء بعد أن وصلت ابنه رسالة تفيد بتراجع الشركة عن توظيفه بسبب الكشف الطبي، الذي يفيد بإصابة ابنه بمرض السكري.

حاول ابنه التواصل مع الموظف، الذي قابله وقدم إليه العرض، بيد أنه لا يرد. كافح كي يصل إلى مدير الموظف، لكن لم يستطع. أرسل أكثر من 10 رسائل إلكترونية دون أن يحصل على إجابة تقيم الأود.

ضاق ابن صديقي ذرعا فتقدم إلى شركة كبرى أخرى وتوظف فيها مباشرة.

رغم النهاية السعيدة المنتهية بالتوظيف لابن صديقي إلا أنني حزنت جدا أن شركة كبيرة كـ"سابك" تتعامل مع مرضى السكري على هذا النحو غير الإنساني.

المؤلم أن "سابك" التي رفضت هذا الشاب الطموح هي التي سعت إليه من خلال تواصلها مع جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران لحث طلبتها المتفوقين إلى التقدم للانضمام إلى الشركة.

كان ابن صديقي أحد هؤلاء الطلبة، الذين أبدوا تجاوبهم مع نداء الشركة وانطبقت عليهم الشروط الصارمة، فتقدم للالتحاق بها قبل أن يتخرج بأشهر قليلة.

قابله اختصاصي التوظيف في سابك في مقر الجامعة بالظهران وأبدى ارتياحه من أسلوب الشاب وفكره ونتائجه الدراسية المتميزة في تخصصه. ثم تمت دعوته إلى مقر الشركة بالجبيل؛ لإجراء مقابلة أخرى انتهت بتقديم عرض رسمي له للعمل في الشركة استقبله في إيميله بعد ساعات من المقابلة الشخصية.

خيبة الأمل، التي اعترتني نابعة من شعوري بألم هذا الشاب المتفوق الذي لم يكد يفرح بتخرجه حتى ارتطم بصخرة إحباط مبكرة من شركة عملاقة كـ"سابك".

لا يوجد أي مبرر لـ"سابك" ولا غيرها في عدم توظيف المصابين بالسكري في بلدنا. فالسكري لم يمنع هذا الطالب من التفوق والإنجاز في جامعة تعد من أكثر الجامعات العربية جدية وانضباطا، ناهيك أن السكري صار مرضا شائعا ومألوفا في العالم أجمع. فعدد المصابين به في المملكة فقط يتجاوز 6 ملايين مصاب، أي ما يعادل 25% من إجمالي عدد السكان، حسب جريدة "الرياض" في تقرير نشرته بتاريخ 25 ديسمبر 2011. وعدم قبول المصاب بالسكري يعني عدم أهلية ربع سكان المملكة بالعمل وفق معايير "سابك". لن أضيف جديدا عندما أقول إن السكري غير معد ومتفش في أرجاء العالم، والتعايش معه صار أمرا اعتياديا لاسيما مع التطور العلمي والطبي الكبيرين.

إنني أرى أن "سابك" ارتكبت ذنبا كبيرا بعدم توظيفها المصاب بالسكري، ففي حين كنا نترقب منها أدوارا إيجابية في المسؤولية الاجتماعية نجدنا اليوم نتوسلها أن توظف مصابا بالسكري.

إن سابك خفضت من مستوى طموحاتنا بسبب سياستها التوظيفية غير الموفقة التي أرجو أن تراجعها في سبيل الوطن والمواطن.

فلا يمكن أن أتخيل أن "سابك"، التي كنا ننتظر منها الكثير صارت تهدي مواطنيها هذا الألم، الذي شعرت به ولمسته عن كثب وربما شعر به آلاف المواطنين، الذين تقدموا إلى هذه الشركة وعادوا خائبين بسبب إصابتهم بالسكري. إننا لا نريد من "سابك" أن تبني لنا مستشفى يرتفع لـ25 طابقا ويتسع لـ1400 سرير، كما أنشأت شركة سامسونج لمواطنيها في كوريا، نريد فقط ألا تخذل مواطنيها وتصيبهم باليأس والألم والإحباط.