"أنا فاشل"، "ما فائدة الحياة"، "لا قيمة لحياتي"، "الانتحار عمل شجاع"، "لن يشعر أحد بعدم وجودي"، "لا أحد يهتم بي"، "سترتاحون مني قريبا"، "الموت راحة لي ولكم"، "كل رأس مالي عاطل وفاشل لا قيمة لحياتي".

كل هذه العبارات لا تعدو كونها رسائل مباشرة أو غير مباشرة تلوح بالموت وتلمح إلى اغتيال الحياة، يطلقها معظم الذين أقدموا على الانتحار قبل أن يقدموا على فعلتهم، ولا شك في أن كثيرا من الآباء والأمهات والأقارب طرقت تلك العبارات أسماعهم، ولم يبالوا بها وعدوها ذبذبات صوتية نقلت بواسطة الهواء إلى طبلة الأذن، ولم تتجاوزها للتفكير فيها، والوقوف على الأسباب التي دعت إلى ذكرها أولا ثم التجرؤ على العمل بها وتنفيذها ثانيا.

وخلال الفترة الأخيرة تناقلت وسائل الإعلام المحلية ومنها "الوطن"، أخبارا عن حالات انتحار أبرزها 3 حالات في المدينة المنورة بينها فتاة تدعى منار لم تتجاوز 14 عاما من العمر، وكذلك في القريات حيث أحرق ثلاثيني نفسه داخل غرفته، ثم تلاه عشريني قضى في المستشفى الذي نقل إليه بعد عملية انتحار فاشلة. ولم يكن بعيدا عنهم، مراهق لم يتجاوز 12 عاما وضع حدا لحياته بالشنق في ضاحية قارا التابعة لمنطقة الجوف، وفتى الرياض وجازان.. والقائمة تطول.


شرارة الانتحار

وكل هذه الحالات جاءت بعد رسائل أطلقها المنتحرون وربما لم يعرها المحيطون بهم الأهمية اللازمة، وربما هي كانت شرارة تنطلق منها فكرة الانتحار لتترجم على أرض الواقع. وهذا ما تؤكده قريبة لأحد المنتحرين، بقولها إنها كانت تتحدث معه قبل نصف ساعة من إقدامه على قتل نفسه، وإنه كان يقول لها "لا قيمة للحياة" وكان يطلب منها أن تطيل الجلوس معه. وتشير إلى أنه قبل ذلك أيضا كان يشير في أحاديثه إلى يأسه من الحياة.

وتقول: كان دائما يوجه رسائل سلبية منها قوله: لا قيمة لحياتي. وأنا يتيم.. حتى زواجي لم أوفق فيه. ما الهدف الذي أعيش من أجله؟".


عدم المبالاة

وبينما لم تتوقع قريبة المنتحر أن تكون كلماته رسائل ستودي به إلى الموت، فإنها في الوقت نفسه كانت تعتبر هذه المفردات أمرا عاديا يكررها أي شخص يمر بضيق أو بحالة نفسية معينة، وكثيرا ما تسمعها القريبات والأمهات من الأقارب والأبناء.

وهذا ما تؤكده أم رائد وهي ربة منزل في الخمسين من عمرها، إذ توضح أنها سمعت مثلها من ولدها خالد (18 عاما) عندما لم يحصل على درجات عالية في المرحلة الثانوية، مشيرة إلى أنه قال في إحدى المرات: "لا قيمة لحياتي". وعن موقفها حيال سماعها تلك الرسالة، أجابت أم رائد بالقول: "لم أبال لها ولا أعتقد بأن تلك العبارة أمر في غاية الخطورة يجب الوقوف عنده".

أما أم تركي، فقابلت ذات السؤال بضحكة تطغى عليها ملامح اللامبالاة إذ قالت بلهجتها العامية: "يا شيخة لا تكبري الموضوع". وتابعت: "هذه عبارات دائما ما نسمعها نحن الأمهات ولا محل لها من الاهتمام، ولا تعدو كونها عبارات اعتراضية تصدر من مراهقين لا يملكون الجرأة على ترجمتها"، مشيرة إلى أن أحد أبنائها يكرر دائما عبارة: "أنتم تفضلون أخي الأكبر لأنني فاشل في الدراسة، الموت أريح لي".


الاحتياط واجب

وإذا كانت هذه آراء الناس في رسائل الموت، فكيف ينظر إليها المختصون؟ وتجيب على هذا السؤال أخصائية الإرشاد النفسي مريم العنزي بتشديدها على "ضرورة أن يولي أولياء الأمور أهمية لتلك الرسائل وأن يأخذوا احتياطات تجاهها، خصوصا أنها قد تكون ناجمة عن اضطرابات نفسية تعرض لها مطلق الرسالة وتحتاج إلى معالجة نفسية قبل أن تتطور وتترجم إلى أبعد من كونها رسائل". وتضيف: "كثير من الأسر تعتقد أن الانتحار حدث مفاجئ يحصل دونما إنذار، بينما الحقيقة غير ذلك تماما إذ لا بد من أن تكون هناك رسائل تكشف نوايا الأبناء وتنذر بقدوم الشخص على الانتحار. ومن هنا لا بد من التوعية لكي يتمكن الأهل من معالجتها ومنع تفاقهما".

وتتابع العنزي: الجميع مسؤول عن مواجهة تلك الرسائل السلبية وضرورة التصدي لها سواء في داخل الأسرة أو في المؤسسات التربوية أو من خلال التوعية بكافة الوسائل وتثقيف الناس حول خطــورة تلك الرسائل".


دور الإعلام

وللإعلام دور مهم وحيوي في التصدي لمثل تلك الرسائل، بحسب الباحثة والإعلامية بقناة الثقافية بدور أحمد. وتقول "لا بد من تسليط الضوء أكثر على هذه الظاهرة وعرض الأسباب والدوافع وطرح الحلول التي من شأنها الحد منها والتقليل من خطرها سواء على الفرد أم على المجتمع، وذلك عن طريق الحملات والبرامج التوعوية الهادفة".


الإعلام التربوي

ويرى مدير الإعلام التربوي بتعليم القريات محمد الريض البدري، أنه يجب على الأسر والمؤسسات التربوية الإحاطة لتلك الرسائل السلبية المباشرة وغير المباشرة من قبل الأبناء. وقال: "لا بد من تقديم البرامج للشباب التي تتناسب مع ميولهم ورغباتهم وبكل واقعية سواء كانت رياضية أم ثقافية أم اجتماعية، وإشغالهم عن الأمور السيئة، بالأعمال المهنية والحرفية المناسبة وتدريبهم عليها بحيث تقدمهم وبكل جدية لمتطلبات سوق العمل".