تجسدت المرحلة التاريخية التي يمثلها مسجد التوبة في مدينة تبوك بالأحداث التي رافقت غزوة تبوك، عندما عقد الرسول صلى الله عليه وسلم العزم على التوجه إليها في السنة التاسعة من الهجرة لملاقاة جيش الروم، في غزوةٍ أضاف بعد المسافة عن المدينة المنورة واشتداد الحر في ذلك الوقت مشقة عليها؛ فسُمي الجيش حينها بجيش العسرة.

ولما لتلك الغزوة من لحظات فارقة كشفت فيها عن أفئدة المنافقين وتخلفهم تبدأ تفاصيل المكان في مد جسور التاريخ، لينطق بأحداثها شواهد المسجد وساحاته، وما ارتسمت على طرقاته من خيالات عابرة، تُعيد الذاكرة لمراجعة تلك الأحداث؛ فبين أزقة ضيقة، وأحياء قديمة عفا على بعضها الزمن؛ تجد ما تبقى منها وكأنها تتحدث عن أجيال متلاحقة مرت من هنا، تاركة لنا بعض ذكرياتها تنوء بحمل تلك الأزمنة.

بالقرب من المسجد تقع مقبرة قديمة، وبعض البيوت الطينية، إضافة إلى أقدم الأسواق بمدينة تبوك، حيث يتقاطر الناس إلى المسجد يستمدون منه عبق الأنفاس الطيبة، الذي يحدثك عن أزكى وأطهر قدم مشت على ترابه، حيث مكث الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته في تلك المنطقة قرابة العشرين ليلة، فلم يأتهم أحد من جيش الروم الذين ألقى الله في قلوبهم الخوف وفرق شملهم داخل بلادهم، ومكث رسول الله يستقبل الوفود التي جاءت للمصالحة ودفع الجزية، ويتخذ مسجد التوبة من قلب مدينة تبوك مكانا له.

ورغم غياب حيثيات تسمية المسجد بـ "مسجد التوبة" فيما الكثير من أهالي تبوك يسمونه "مسجد الرسول" يذكر صاحب كتاب عمدة الأخبار في مدينة المختار أنه "يقال له مسجد التوبة. قال المطري: وهو من المساجد التي ابتناها عمر بن عبدالعزيز، قال المجد: دخلته غير مرة، وهو عقود مبنية بالحجارة".

ويعتبر المسجد النواة الرئيسية التي تشكلت منها مدينة تبوك بأحيائها وأسواقها، ويقع إلى جوار المسجد بعض الأماكن الأثرية، كعين السكر التي يرتبط تاريخها بغزوة تبوك، حيث مر الرسول صلى الله عليه وسلم فغسل وجهه ويديه فجرت العين بماء كثير فاستقى الناس كلهم فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ (( يوشك يا معاذ إن طالت بك الحياة أن ترى ما ها هنا قد ملئ جنانا ))، وبالقرب من العين تقع قلعة تبوك التي أنشئت في العصر العباسي، ثم أعيد بناؤها في عهد السلطان القانوني سنة 967هـ، وجددت عمارتها مرات عديدة، وفي حديث عن تاريخ المسجد، ومراحل تلك الحقبة يذكر مدير مكتب الآثار بمنطقة تبوك يعرب العلي أن المسجد يعرف الآن باسم مسجد التوبة ويعتبر أحد المعالم التاريخية بمدينة تبوك، وهو المكان الذي صلى به الرسول صلى الله عليه وسلم، أثناء غزوة تبوك، ويضيف العلي أن بجوار المسجد مقبرة قديمة يعود تاريخها لنفس الفترة، يشير العلي إلى أن المسجد وعلى مر العصور قد حظي باهتمام كبير، حيث بناه بالحجارة والحصا الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز عندما كان واليا على المدينة، ويذكر العلي أن المسجد أعيد بناؤه في العصر العثماني، كما أعيد بناؤه مرة أخرى في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله.