أسطورة فن القط العسيري، فاطمة بنت علي أبو قحاص، من أكثر الشخصيات المثيرة للاهتمام التي قابلتها في حياتي. وأحمد الله أنه من حسن حظي أنني استطعت أن التقي بها أثناء زيارتي لمنطقة عسير عام 2007، حتى إنني أجلت رحلتي أسبوعا كي أتمكن من لقائها، وذلك بسبب مرضها ـ رحمها الله ـ و لم أندم على ذلك، بل على العكس كان لقائي بها من أكثر اللقاءات تميزا.

عندما قابلتها قالت إن آخر عمل نفذته كان منذ 6 سنوات في منزل ابنها برجال ألمع. بدأتُ أسئلتي المحضرة مسبقاً كما سبق أن طرحتها على النساء اللاتي يمارسن فن القط بغرض جمع وإحصاء معلومات عن هذا الفن النسائي المنسي، فعلى كثرة ما توجـد أبحاث ودراسات عن العمارة العسيرية إلا أن هذا الفن كان في كل مرة يذكر على استحياء، هل لأنه فن نسائي؟

بالعودة للقائي مع سيدة القط العسيري، الذي ابتدأ بمعرفة أنها مارست فن القط وعمرها 8 سنوات، وأنها تعلمته على يد والدتها آمنة بنت محمد بن هادي، التي تأتي بالمرتبة الثالثة من بين أشهر من عرف نقشها برجال ألمع، إذ ذكر الأستاذ علي مغاوي في كتابه "حاضرة رُجال"، أن جحاحة بنت بريدي هي من تربعت في المرتبة الأولى.. قالت عنها فاطمة أبو قحاص إنه لا يصل إلى دقتها ونقشها أحد، وشهادة كهذه من فنانة كفاطمة أبو قحاص صعب الحصول عليها، فأنا لا أنسى غرور الفنان الذي رأيته منها عندما سألتني عن لوحة كانت معي منقوش عليها، نقش من هذا؟ فقلت هذه الجازي، ألا تذكرينها؟ قال: الجازي! "تعَرَّفَت تنقش"!

ظننت أنها لم تعد تذكرها، فقلت كي أساعدها على استذكارها، لقد عملت معها من قبل! وظهرت معكِ في كتاب المصور الفرنسي موجه!، فقالت: لا لم أعمل معها، بل هي من عملت معي وتعلمت مني...، هنا أدركت أنني لست أمام شخصية عادية، بل أمام شخصية فنية بكل ما تحمله الكلمة، فبدأت أحاول استفزاز شخصية الفنان فيها بسؤالها: لماذا لا تسمين قطك أو تضعين عليه علامة لتعريفه؟ أجابتني قائلةً: "ما يغرني كل له ضيعه، ما ينقشون نقشي". فأتبعته بسؤال: هل يدل عرض النقش على شيء؟ قالت: "لا يوجد أعرض من نقشي" فاتبعته بسؤال عن عدد المنازل التي قطتها؟ جاوبت "زينت جميع بيوت أولادي شخصياً".

وأخيراً قلت لها: إنني رأيت لوحة لكِ تُزين فندق قصر أبها.. قاطعتني قائلةً: "هل رأيت اسمي مكتوبا عليها؟ فاطمة علي أبو قحاص "

أليس معـي حق في القـول إن انتزاع شهادة من فاطمة أبو قحاص يعد وساماً؟!؟

أما فاطمة بنت امسباع، فقد أتت بالمرتبة الثانية، وشريفة بنت أحمد في المرتبة الرابعة، وأتت فاطمة أبو قحاص رائدة هذا الفن في وقتنا الحاضر، حاصلة على جائزة أبها للخدمة الوطنية لفنها المميز في المرتبة الخامسة، على الرغم من أنها امتهنت فن القط ليكون مصدرا للرزق، لتستطيع أن تربي صغارها الأربعة بعد وفاة زوجها وقسوة الظروف. وعلى الرغم من هذا فلا أحد يستطيع أن ينكر دورها في حفظ هذا الفن وبقائه إلى الآن في حصن رازح، بيت آل الزهر في الخليس، بيوت أولادها من آل الزهر، بيت طرشي الصغير، بيت حسن أبو علام، بيت فايع الشبلي، وبيت محمد مشني..

هذا ما قدمته لنا فاطمة أبو قحاص قبل رحيلها عنا عام 2010 رحمها الله. فماذا قدمنا نحن لها؟