ليست سقطة كبرى ولا تحويلة ترابية في الطريق العام أن يكتب القلم العربي يوما عن أسعار الدجاج ثم يكتب غدا عن عوار الديموقراطية مثلما كتب بالأمس عن رأس الدولة الذي يبشر شعبه بوزن الرغيف وصندوق النظافة. هذا هو قدرنا العروبي في هذا الجزء من العالم. تستوي كل الفوارق والأسباب والنقائض في مشاكلنا مع بنية العقل أو بناء المعدة. هذا الخلط في الأفكار وترتيب القضايا، من أسعار الدجاج حتى الخلاف على مسودة دستور يأتي لأننا بين هذا العالم نعيش في (ساعة رملية) توقفت لحجر صغير يسد عنق الزجاجة بينما شرق الدنيا وغربها من حولنا يحاول علاج الثواني الضائعة من حساب الزمن كل ثماني سنين، وبالمقياس (الفيمتو) إلكتروني. اشتريت قبل الأمس دجاجة صغيرة بستة عشر ريالا ثم سألت عنها (مطبوخة) فأجابوني أنها بضعف الثمن. قرأت الصحيفة فوجدت أن معالي وزير الزراعة يقول إنه لم يلغ لجنة تحديد أسعار الدجاج لأن اللجنة ليست على هذه الأرض حتى تلغى أو تنفى أو تحل والوزارة بحكم عملها مسؤولة عن إنتاج الدجاج، أو هكذا أظن، ولهذا توقعت من معالي الوزير أن يهرب من الحرج الذي حول الدجاجة إلى قضية وطنية كبرى بأن يقذف بالملف إلى وزارة التجارة كونها بالمهنة مسؤولة عن اللحم والبيض والعسل وإبر الخياطة واستيراد أزرار الجاكيت وكذا أسعار أعواد الكبريت وحجم علبة الشطة جوار كبسة الدجاجة. بعد كل شهاداتي العليا وقراءاتي وصلب اهتماماتي في الشأن العام، أصارحكم أنني جاهل تماما بوظيفة وزارة التجارة. ومع هذا كله سنعود لمعضلة الدجاجة فلولا هذا المخلوق العجيب لما استطعت حتى أن أكتب أو حتى أن أنام وأستيقظ. هي بناء المعدة من أجل بنية العقل. معالي الوزير، ولا أعلم عن أي وزير أتحدث بعد أن ضاعت (الدجاجة) بين القبائل، يسمح لمصانع الدواجن بالتصدير بشرط دفع 2000 ريال للطن الواحد، رغم أنف هذه الأزمة الطاحنة. رغم أن تسعة أعشار الشعب شقيق حميم لهذه الدجاجة على الكبسة. رغم أن نصف الشعب يعيش يومه على دجاجة. إما أن معالي الوزير، - ولا أعلم عن أي وزير أتحدث -، لا يأكل مثلنا لحم الدجاج، وإما أنه غير مهتم مثلنا بفواتير البقالة، وإما، وهذه الطامة، أنه غير منغمس في حواراتنا الفكرية وقضايانا الوطنية الكبرى ونقاشاتنا النخبوية التي تدور رحاها هذه الأيام حول الدجاجة. هو، وهذا الخوف، قد لا يدرك المؤامرة الإمبريالية لقوى الاستكبار العالمي التي تحاول إغراق هذا الشعب في قصة دجاجة.