مهرجان الظفرة لمن يرغب في الاستزادة من المعرفة النافعة عنه هو مهرجان سنوي يقام تحت رعاية كريمة من الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة؛ وهو مستوحى من الثقافة والتراث، ويعتبر بمثابة حلقة وصل بين الأجيال، ومناسبة أساسية لإحياء التراث، وتخليده في الذاكرة، وخلق الروح الوطنية في الأجيال الناشئة.

مهرجان الظفرة يهدف فيما يهدف إلى الحفاظ على السلالات الأصيلة للإبل، والتعريف بالثقافة البدوية، وتفعيل السياحة التراثية، وخلق سوق تجاري لشراء وبيع الإبل، وكذا للتمور، والترويج للصناعات التقليدية الإماراتية، وإعادة إحيائها، ووضع (مدينة زايد) في المنطقة الغربية من دولة الإمارات على الخارطة السياحية العالمية، وتفعيل الحركة الاقتصادية فيها.

قبل مدة استمتعت مع إخوة كرام بالمرور على منطقة المهرجان الواقعة في صحراء الربع الخالي، التي لم تعد خالية كما يوحي اسمها بذلك، وتوقفت وأنا أشاهد أبرز فعاليات الدورة السادسة للمهرجان عند أمور كثيرة، أبرزها المنافسات الشيقة في مختلف المسابقات، ومنها مزاينة الإبل، وسباق الهجن التراثي، وسباق الكلاب السلوقية، ومسابقة الصقور، ومزاينة التمور؛ وزاد يقيني في أن الدعوة اليوم باتت أكثر إلحاحاً من أي يوم مضى إلى تنشئة الجيل الجديد على فهم المعنى الحقيقي للتراث الشعبي، والمحافظة عليه، ونقله لهم، ولا سيما أن المحافظة على التراث تمثل ركيزة أساسية للدولة العصرية، وملمحاً من الملامح المميزة للمجتمعات، باعتبار أن التراث عنصر أساسي في تشكيل الهوية الوطنية.

التراث له دوره المهم في مواجهة المشكلات الاجتماعية؛ والعودة إلى الجذور ضرورية، ورواية حياة الأجداد، والتحديات التي كانت تواجههم، وكيف استطاعوا من خلال بعض أدواتهم البسيطة التأقلم مع ظروف البيئة الصعبة.. كل ذلك يستحق أن يصان، وأن تتناقله الأجيال، خاصة أن أغلب الجيل قد انساق انسياقاً شبه تام وراء الإيقاعات الحياتية السريعة. وبطبيعة الحال لا يعني القول بذلك أن يبتعد الجيل بنفسه، أو يبعده غيره عن مسايرة العصر أو التخلف عنه..

وأختم بتوجيه التحية مع الشكر والدعاء للجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في إمارة أبوظبي على العناية المستمرة والمتجددة بمهرجان الظفرة، الذي استطاع وبوضوح تام أن يؤكد على المعنى الحقيقي لروح البداوة المستنبطة من رمال الصحراء، حيث موطن صناع الحضارة والتاريخ، وتمكن من أن يثبت أن المعاصرة لا يمكن أن تتنافى بحال من الأحوال مع الإرث الثقافي لعموم البشر.

من التراث:

ذكر المؤرخ الشهير، مؤسس علم الاجتماع الحديث عبد الرحمن بن محمد بن خلدون في كتابه (المقدمة): "أهل البدو أقرب إلى الخير من أهل الحضر، وسببه أن النفس إذا كانت على الفطرة الأولى كانت متهيئة لقبول ما يرد عليها وينطبع فيها من خير أو شر، قال صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، وبقدر ما سبق إليها من أحد الخُلقين تبعد عن الآخر ويصعب عليها اكتسابه، فصاحب الخير إذا سبقت إلى نفسه عوائد الخير وحصلت لها ملكته بعد عن الشر وصعب عليه طريقه، وكذا صاحب الشر إذا سبقت إليه أيضاً عوائده، وأهل الحضر لكثرة ما يعانون من فنون الملاذ، وعوائد الترف، والإقبال على الدنيا، والعكوف على شهواتهم منها تلونت أنفسهم بكثير من مذمومات الخلق..".