ليس في وسعي إلا أن أقف احتراما وتقديرا لمجموعة من شباب جازان، الذين تبنوا مع بداية إجازة المدارس الصيفية، حملة التوعية والإرشادات بأنظمة المرور وقواعد قيادة المركبات، ونداء أفراد المجتمع وشرائحه كافة للانخراط فيها، ورسموا عنوانها على شكل نداء أخوي حميمي ليكون قريبا من القلب والوجدان. ففي جازان وقبل أسبوع من الآن تحرك الشاب إبراهيم عبدالفتاح الحازمي لإطلاق حملة تنويرية أخلاقية رائعة، عبر صفحة خاصة على موقع التواصل الاجتماعي (facebook) عنونها بـ "كفاية.. حملة أهالي منطقة جازان للحد من الحوادث المرورية"، وقد وجدت الحملة في أسبوعها الأول تفاعلا مثيرا أثمر عن تواصل مُفرح على مستوى الطبقة المستهدفة، وهي طبقة الشباب وطلاب المدارس والجامعات بالدرجة الأولى، الذين سارعوا بتزيين أغلفة صفحاتهم على الفور بصور شعار الحملة، يليها طبقة كبار السن من سائقي المركبات. والجميل أن إدارة مرور منطقة جازان قد تفاعلت مع الحملة، واستقبلت وفدا من الشباب المشارك فيها؛ ليطرحوا ما لديهم على مكتب المسؤول مباشرة، وللأمانة فإن ما بلغني من شباب الحملة يُثلج الصدر، فقد تبنى مدير مرور جازان سعادة العقيد ظافر القرني شخصيا الحملة التوعوية وأفكارها كما بلغني، وهو المنتظر كوعي من المسؤول.

وكم أتمنى أن يحذو شباب مناطق المملكة العربية السعودية الأخرى كافة، حذو هؤلاء الشباب الرائعين، ويشكلوا فرق عملهم الخاصة بهم التي تخدم المجتمع، متعاونة مع الجهات الحكومية ذات الاختصاص، كما فعل أبناء جازان، وفي ظني أن هذا ما يجب أن يكون عليه حجم ومستوى التواصل الاجتماعي، وهو ما نحتاج إليه قطعا لصنع وتكوين مجتمع متعاون، وأجزم بأن كل من يقرأ عن هذه الحملة، سيحدث نفسه بالمشاركة فيها ولو معنويا؛ لأن مبعث ذلك في الحقيقة هو بذرة الخير الأصيلة في الإنسان، فما بالكم بمجتمع مسلم ومحافظ كالمجتمع السعودي. لقد تعبنا وأُرهقنا نفسيا من استمرار الفجيعة يوميا، بموت ابن أو بنت أو أخ أو أخت أو والد أو أم أو قريب بل وأُسر بكاملها أحيانا.....، نعم تعبنا. وهذ الحملة إنما هي صوت مرتفع منا نحن أفراد المجتمع، نعبر من خلالها عن مسؤوليتنا تجاه بعضنا البعض، رافضين من خلالها الوقوف كمتفرجين بينما يستمر معدل ازدياد الوفيات والمعاقين نتيجة الحوادث المرورية. قبل فترة طالعت تقريرا مخيفا عن الحوادث المرورية في المملكة، وكان محرضا حقيقيا لي لأتفاعل مع هذه الحملة وأنضم إلى ركبها، إذ إن الأرقام الواردة في التقرير كانت صادمة بالفعل، وإليكم نص التقرير الذي نشرته صحيفة الاقتصادية في أحد أعدادها:

"قال العقيد الدكتور زهير بن عبدالرحمن شرف مدير الأنظمة واللوائح في مرور منطقة المدينة المنورة، إن معدل الوفيات في حوادث الطرق في السعودية (17) شخصا يوميا، أي شخص كل (40) دقيقة، كما بلغ عدد المصابين أكثر من (68) ألفا سنويا، وزادت الخسائر المادية على (13) مليار ريال في السنة. وفقا لما ذكرت صحيفة "الاقتصادية". ووصف شرف الحوادث المرورية بأنها إرهاب شوارع، لا تقل خطورته عن الإرهاب الإجرامي المُنظم، مشيرا إلى أن السعودية تحتل المركز الأول عالميا في عدد حوادث الطرق. جاء ذلك خلال محاضرة ألقاها في الجامعة الإسلامية ضمن فعاليات أسبوع المرور الخليجي الـ(29)، أشار فيها إلى ارتفاع عدد ضحايا الحوادث في السعودية الذي تجاوز في العقدين الماضيين أكثر من (86) ألف شخص، وقال إنه تجاوز عدد ضحايا حروب الأرجنتين، وحرب الصحراء الغربية، وحرب الهند وباكستان، وحرب الخليج، وحرب نيبال الأهلية، وحرب استقلال كرواتيا التي بلغ مجموع ضحاياها (82) ألف شخص.

وأضاف العقيد شرف أن عدد ضحايا حوادث الطرق عام 2011، بلغ أكثر من (7153) شخصا، وهو رقم يفوق عدد ضحايا العنف في العراق للعام نفسه، الذي بلغ نحو (4200) شخص، كما أنه أعلى من عدد ضحايا حرب الخليج الذي بلغ (5200) شخص فقط. مؤكدا أنه في ازدياد ومن المتوقع أن يصل عام 2019 إلى (9600) شخص في العام.

وأكد أن الدراسات والأبحاث أثبتت أن أكثر الحوادث تقع بسبب أخطاء العنصر البشري وخاصة السرعة، إضافة إلى قطع الإشارة، وقيادة غير المؤهلين للقيادة، واستخدام المركبات لغير ما أُعدت له، مثل "التفحيط"، مشيرا إلى أن ارتفاع إصابات الحوادث، يستنزف الجهود الصحية ويشغل ثلث الطاقة الاستيعابية للمستشفيات الحكومية، ويتسبب في أزمة الأسرّة في المستشفيات، إذ إن نسبة الأَسرّة المشغولة بمصابي الحوادث تبلغ (30) من كل (100) سرير". انتهى التقرير.

الآن أيها الأصدقاء وبعد هذه المعلومات والأرقام الكارثية، ما الذي يمكنكم فعله لنرتقي بمجتمعنا أكثر؟ وما الذي يمكننا فعله جميعا لنسهم في حماية أبنائنا وأقاربنا وأنفسنا وأنفس من يشاركوننا العيش في نفس المكان؟ ألا نستحق الحياة بهدوء وأمان أكثر؟ أتمنى أن تكون الرسالة قد وصلت.