تعيش المملكة في هذه الأيام حراكا تنمويا غير مسبوق، فلا يكاد يخلو طريق رئيس، أو شارع، أو حي من مشروع حيوي؛ فهناك العديد من المشروعات التي تم الانتهاء من تنفيذها، وأخرى يجري العمل على تنفيذها، وهناك مشروعات مرحلية في طريقها للتنفيذ، ولكن كثيرا من هذه المشروعات تعاني العديد من المشكلات فيما يتعلق بمستوى جودة التنفيذ، أو فيما يتعلق بمراحل التنفيذ، وتتعدد مصادر المشكلات المتعلقة بالتنفيذ؛ فهناك مشكلات مصدرها الجهة المسؤولة عن المشروع حيث لا يتم تسليم المشروع للجهة المنفذة في الوقت المحدد مما يؤدي إلى تأخر تنفيذ المشروع نظرا لأن هناك مشكلات مختلفة في الموقع، ولا يمكن البدء في تنفيذ المشروع إلا بعد حلها، ويتطلب ذلك وقتا طويلا، والسبب الآخر قد لا يوجد في هذه الجهات مهندسون متخصصون لمتابعة تنفيذ المشروعات خاصة التي لا يتطلب تنفيذها جهات استشارية للإشراف على التنفيذ، وإن وجد مهندسون فلا يقومون بدورهم كما ينبغي، أو قد تنقصهم الخبرة، ويقتصر عملهم على الهندسة الورقية في المكاتب بعيدا عن الواقع، ولذلك نجد كثيرا من مشروعاتنا يتم تنفيذها بطريقة غير مناسبة خاصة في حالة غياب المتابعة المتخصصة، أو لأن المهندسين الذين يعملون في هذه المشروعات مهندسون وافدون، وليس لديهم خبرات بالظروف البيئية المختلفة للمنطقة، أو الموقع الذي ينفذ فيه المشروع، أو قد يكون كثيرا من هؤلاء المهندسين من حملة الشهادات المزيفة، وهؤلاء لا يجيدون أبجديات الهندسة.

وقد تكون المشكلة مصدرها الجهة المنفذة حيث تتم الترسية عليها نظرا لأن عرضها ورقيا مكتمل، وهو الأدنى، ولكن الواقع مختلف تماما، فقد تكون الإمكانات البشرية، أو التقنية، أو التجهيزية لدى هذه المؤسسات، أو الشركات غير كافية لتنفيذ هذه المشروعات الضخمة، أو لأنها مشتتة بين المشروعات المختلفة التي تقوم بتنفيذها في آن واحد، ولذلك تفقد تركيزها نظرا لتعدد المشروعات التي تقوم بها في آن واحد، وفي هذا المجال أرى أن يكون هناك تقنين لعدد المشروعات لكل شركة، أو مؤسسة التي تعمل على تنفيذها في وقت واحد، وأن يكون هناك ملف، أو سجل يوضح تقييم أداء هذه المؤسسات، وبناء على درجاتها في التقييم، ومستوى إنجازها يتم إعطاؤها مشروعات جديدة، أو يتم توقيفها عن التقدم للمشروعات المستقبلية، كما قد يكون السبب في تأخير تنفيذ المشروعات، وسوء التنفيذ يعود لعدم توافر مهندسين مؤهلين في المؤسسات المنفذة، وقلة الخبرات التي تمكنهم من متابعة هذه المشروعات بشكل يضمن التنفيذ بأعلى المواصفات الفنية، أو يكون الاعتماد على مهندسين وافدين ليس لديهم خبرات في متابعة المشروعات الحيوية الضخمة، أو لأن المتابعة من قبل المهندسين تكون من خلال المتابعة الورقية في المكاتب، ويبدأ المشروع، وينتهي ولم يتم الوقوف عليه بشكل مباشر ولو لمرة واحدة.

ولعله من المناسب أن أذكر أمثلة على المشكلات التي تواجه تنفيذ مشروعاتنا التنموية التي قد يكون السبب الرئيس يعود لغياب الإشراف الهندسي، أو لسوء التنفيذ المناسب على أرض الواقع، فبعد هطول الأمطار على مشروع تم الانتهاء منه جزئيا والمتمثل في جسر حي الموظفين الرابط بين مدينتي أبها وخميس مشيط، وبدأت حركة المركبات على هذا الطريق تجمعت مياه الأمطار وبشكل كبير على أحد جوانب الجسر، وحاول عمال الشركة تخفيف تجمع المياه الذي أعاق الحركة، وتوقفت الحركة فترة من الزمن من على أحد مساري هذا الجسر، وهنا يتساءل الكثير عن دور المهندسين، والمساحين، والمشرفين على التنفيذ، أو حتى المهندسين الاستشاريين، أو مهندسي الأمانة، ألم يلاحظوا، أو يدركوا أن وسائل تصريف المياه متواضعة جدا؟ كما أنها لا تفي بالحاجة في حالة هطول الأمطار الخفيفة، فماذا سيكون عليه الحال عند هطول أمطار غزيرة، أين المناسيب، والميول التي يجب مراعاتها في التخطيط، وأثناء التنفيذ، ومن المعروف أن منطقة عسير تهطل عليها الأمطار بغزارة، وبحاجة إلى تصريف جيد، فإذا كان ذلك غائبا عن المهندسين؛ فلسنا بحاجة لمهندسين لمشروعاتنا من هذه النوعية!

المشكلة الأخرى التي تعيق تنفيذ مشروعاتنا تتمثل في أن المقاول المنفذ يستلم الموقع وبه مشكلات عديدة، وغير جاهز، وهنا يكون المسؤول عن ذلك التأخير هي الجهة المنفذة التي تستلم الموقع، وبه العديد من المعوقات، وهنا يجب عدم استلام أي مشروع وبه مشكلات، ونجد في كثير من مشروعات الطرق تأخيرا كبيرا نظرا لأن هناك معوقات من جهات، أو إدارات أخرى تحول دون تنفيذ هذه المشروعات في الوقت المحدد مثل وجود أعمدة كهرباء في وسط الطريق، ويتم تنفيذ هذه المشروعات جزئيا، وتتم مخاطبة الجهات المعنية لإزالة ما يعترض تنفيذ هذا المشروع، إلا أن هناك شروطا تعجيزية من قبل شركة الكهرباء، وبيروقراطية في المخاطبات بين هذه الجهات وكأن مشروع الطريق في دولة، وشركة الكهرباء تتبع دولة أخرى، والجهة المنفذة من دولة ثالثة، وليس بينهم أي توافق، أو تنسيق، وتظل أعمدة الكهرباء شامخة، ومعلقة في وسط الطريق، وأقرب مثال على ذلك طريق العمارة بخميس مشيط المتعثر لعدد من السنوات وذلك نتيجة لوجود عدد من الأعمدة في أحد مسارات الطريق مما أدى إلى تأخير تنفيذ المشروع لمدة طويلة، مع أن هناك معاملة تدور في دهاليز إدارات طرق منطقة عسير، وشركة الكهرباء تخص تكلفة إزالة هذه الأعمدة ليتم استكمال هذا المشروع المتعثر، ولكنها لم تر النور، وهذا عذر مشروع للمؤسسة التي تقوم بالتنفيذ عند المساءلة عن التأخير، والمثال الآخر الذي نلاحظه في هذا المجال هو تعارض بعض المشروعات مثل الأنفاق، أو الكباري مع مشروعات أخرى قائمة، أو موجودة من قبل مثل خط نقل المياه، أو كيابل الهاتف، وعندما يكون هناك مشروع في المناطق التي توجد بها هذه الخدمات، يكون هناك تعنت، وتزمت لدى هذه الجهات عند الطلب منها التعاون في تغيير المسار، أو النقل لمكان آخر بعيدا عن موقع المشروع الحيوي الجديد.

إن دور المهندسين في مشروعاتنا الحيوية المختلفة شبه غائب - إن لم يكن - غائبا تماما، سواء عند التخطيط لهذه المشاريع قبل طرحها لشركات التنفيذ، أم أثناء التنفيذ، أو حتى بعد التنفيذ عند مراحل تسليم المشروع من المقاول المنفذ، ولذلك لسنا بحاجة لمهندسين في هذه المشروعات، بل نحن بحاجة لسحابة عابرة تهطل على مشروعاتنا لتكشف لنا عيوب مشروعاتنا، ومن ثم نحاول حلها، أو معالجتها بعد ما تكشفها لنا الأمطار، ولم يكتشفها المهندسون، كما نحن بحاجة لمجلس تنسيقي من كل القطاعات، والإدارات في كل مدينة، أو محافظة يتولى التخطيط، والتنسيق لمشروعاتنا والعمل على حل ما يقابلها من صعوبات بدلا من عمل كل قطاع لوحده بعيدا عن الآخر فنحن في بلد واحد، ولا بد من السعي لتحقيق التنمية، وإنجاز المشروعات بشكل يخدم الجميع.