تفاجأ العديد من المواطنين والمواطنات من تصريح "نزاهة" الأخير والمتضمن أن هيئة مكافحة الفساد ليست مخولة بقضية المخالفات والتجاوزات، التي حدثت في الإدارة العامة للتربية والتعليم بالرياض، والتي وصلت إلى حد اختلاس مبالغ مالية تصل إلى أكثر من (150) مليون ريال!.

وفي هذا الصدد أوضحت "نزاهة" في تصريحها السابق بأن القضية من مسؤولية وزارة التربية والتعليم وهي المخولة بالتحقيق والبت فيها! الأمر الذي أدى إلى تساؤل الكثير من الناس في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، حول دور وطبيعة اختصاص "نزاهة" في قضايا الفساد، وهل قضايا التربية والتعليم لها استثناء خاص لدى "نزاهة"، وهي التي تؤكد دائماً على "لا استثناء لكائن من كان في مكافحة الفساد"؟!.

في الحقيقة لا لوم على الناس في استغرابهم من عدم تدخل "نزاهة" في قضية تعليم الرياض، في الوقت الذي تتدخل في قضايا أقل شأناً من خطورة وجسامة المخالفات المكتشفة في إدارة التربية والتعليم، وبالفعل هناك صورة مشوشة وغير واضحة لمهام واختصاصات "نزاهة"، وكأنها تؤكد صحة الانتقادات الموجهة إليها والتي تتمثل في أن هيئة مكافحة الفساد تركز على "الفساد الصغير" وتغض الطرف عن "الفساد الكبير"، وربما هناك استثناءات بالفعل لبعض المسؤولين النافذين في بعض الجهات الحكومية.

فليس هناك مبرر بأن تتدخل "نزاهة" على سبيل المثال في سوء صيانة مدرسة واحدة لخطورتها على الطلاب والطالبات، بينما تترك آلاف المدارس الأخرى والتي تعاني من مشاكل خطرة في الصيانة بسبب التجاوزات والمخالفات وقضايا الفساد في عقود الصيانة للمباني التعليمية، والتي كشفتها القضية الأخيرة لتعليم الرياض.

كما لا يوجد مبرر أيضاً لقيام "نزاهة" بتنظيم ندوة: "دور المراجعة الداخلية في مكافحة الفساد"، في الوقت الذي لا تركز فيه على أنظمة الرقابة الداخلية على عقود الصيانة والتشغيل في تعليم الرياض، والتي في رأيي أن ضعف هذه الأنظمة تشكل نسبة كبيرة في أسباب وجود المخالفات والتجاوزات التي حدثت في عقود الصيانة والتي من أهمها: طرح مناقصات مزدوجة، وإخفاء الحقائق عن الوزارة، والتلاعب في محاضر الترسية، والتعامل مع مقاول واحد بعينه، بالإضافة إلى وجود مشاكل في الصياغة القانونية للعقود.

وبالرغم من أن إجراءات التحقيق لم تنته في هذه القضية، إلا أن الاتهامات السابقة تمثل في العرف الرقابي بما يسمى بعملية "تقدير المخاطر" سواء في الوزارة أو إدارة التربية والتعليم، والتي تحتاج إلى وجود مراجعة وتقييم تدخل في صلب مهام "نزاهة" وكذلك الأجهزة الرقابية الأخرى مثل ديوان المراقبة العامة.

وبناءً على ما سبق، يتضح بأن تصريح "نزاهة" السابق لم يكن موفقاً، وبعبارة أخرى كان التصريح منقوصا وغير دقيق، وعبارة "ليست مخولة" المتضمنة في التصريح أدت إلى اهتزاز ثقة المواطنين بشكل عام في نزاهة.

قد يعترض هنا معترض ويقول: "على العكس من ذلك، فإن تصريح "نزاهة" من الناحية النظامية صحيح ولا غبار عليه، وذلك وفقاً للفقرة (3) من المادة الثالثة من تنظيم الهيئة، والتي تنص على) إحالة المخالفات والتجاوزات المتعلقة بالفساد المالي والإداري عند اكتشافها إلى الجهات الرقابية أو جهات التحقيق بحسب الأحوال..)، وبالتالي فإن قضية تعليم الرياض تم فيها اكتشاف التجاوزات ونشرت في الوسائل الإعلامية، وهناك لجنة وزارية للتحقيق فيها، ونظراً لأن التحقيقات في خطواتها الإجرائية، وفي حال انتهاء التحقيق سوف تعرض النتائج على جهات الاختصاص ومنها "نزاهة".

وبالرغم من الوجاهة المنطقية للاعتراض السابق، إلا أنه لا يبرر على الإطلاق عبارة بأن نزاهة ليست مخولة في قضية تعليم الرياض وبأن ذلك ليس من اختصاصها، ففي المادة الثالثة السابقة من تنظيم الهيئة تنص أيضاً على أن "للهيئة الاطلاع على مجريات التحقيق ومتابعة سير الإجراءات في هذا الشأن، ولها أن تطلب من الجهات المعنية اتخاذ التدابير الاحترازية أو التحفظية وفقاً لما يقضي به النظام في شأن من توافرت أدلة أو قرائن على ارتكابه أفعالاً تدخل في مفهوم الفساد".

كما تنص الفقرة (7) من نفس المادة السابقة على قيام الهيئة بـ: "مراجعة أساليب العمل وإجراءاته في الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة بهدف تحديد نقاط الضعف التي يمكن أن تؤدي إلى الفساد، والعمل على معالجتها بما يضمن تحقيق أهداف الهيئة وتنفيذ اختصاصاتها"، وقد تضمنت الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد في الفقرة (د) من "ثالثاً" والمتعلقة بالوسائل التأكيد على "تطوير وتقويم الأنظمة الرقابية والإدارية والمالية، لضمان وضوحها وسهولة تطبيقها وفعاليتها".

نصوص المواد السابقة تثبت بلا شك وتؤكد على الدور الرئيسي للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في قضية فساد إدارة التربية والتعليم بمنطقة الرياض، بل وتؤكد أيضاً على أن ذلك من صميم اختصاصات الهيئة (نزاهة)، فكيف يمكن القول إذن بأن "نزاهة" غير مخولة بذلك وليس من اختصاصاتها؟.

وعلى أية حال، فإن "نزاهة" ـ في الوقت الراهن ـ مطالبة بمراجعة إجراءات وأساليب العمل ومتابعة إجراءات التحقيق في قضية تعليم الرياض حسب ما جاء في تنظيمها وفي الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة، وخاصةً أن كثيرا من مدارس التربية والتعليم تعاني من مشاكل سوء الصيانة والتأخر في تنفيذ أعمالها، ويبدو أن التجاوزات والمخالفات التي ظهرت في الإعلام، حتى وإن لم تثبت صحتها حتى الآن، إلا أنها تشكل مؤشرات وقرائن على أنها أحد الأسباب الرئيسة في مشكلة الصيانة في المدارس والمباني التعليمية، وبهذا الخصوص يجب التنسيق مع ديوان المراقبة العامة و"نزاهة" ووحدة المراجعة الداخلية بوزارة التربية والتعليم، للعمل على معالجة هذه الأسباب وهذه الانحرافات، والتقليل من مخاطر سوء الصيانة على أبنائنا وبناتنا من الطلاب والطالبات.