الأفغان المرتبكون في البرلمان، في الحكومة، وفي شوارع كابول وهيرات ومزار الشريف، حيث يبلغ مستوى التعليم أعلى من الوسط، يستاءلون عن محادثات السلام مع طالبان في كابول في قطر. عندما سمحت قطر لطالبان بفتح مكتب في الدوحة، دهش الجميع برفع علم طالبان على المقر المخصص للحركة، وبوضع لافتة على المقر تقول بأنه الممثلية الرسمية لدولة أفغانستان. وكتب على القضيب المعدني "إمارة أفغانستان الإسلامية". بعثتان دبلوماسيتان لبلد واحد في البلد المضيف! هذا شيء غير مسبوق! تمت إزالة العلم، ووضع في داخل ساحة المبنى بدلا من تعليقه من الخارج، كما أزيلت اللوحة التي تدعي أن المقر هو الممثلية الرسمية لأفغانستان. الرئيس كرزاي صدم بتصرفات طالبان، وعقد اجتماعا طارئا لحكومته لبحث الإجراءات التي يمكن اتخاذها. أعضاء حكومة كرزاي كانوا غاضبين لدرجة أن نائب الرئيس الأفغاني مارشال فهيم هدد بالاستقالة، ما لم يعمل طالبان على وقف ممارسات طالبان.

قطر وافقت أساسا على التوسط بين طالبان والولايات المتحدة والحكومة الأفغانية، وهي تعمل في هذا الإطار منذ أكثر من سنة. ليس واضحا بالضبط ما الذي جعل طالبان تسعى لمباحثات سلام بعد أن تسببت في فشل العديد من مباحثات السلام من قبل. ولكن مع اقتراب انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان بحلول نهاية 2014، وعدم وضوح الرئيس خليفة الرئيس كرزاي بعد الانتخابات الرئاسية الأفغانية القادمة، من الواضح أن الولايات المتحدة كانت تسعى في هذه المرة إلى مثل هذه المحادثات.

من جهة ثانية ـ ورغم تعرضها لضربات قاسية على مدى السنوات الماضية ـ إلا أن حركة طالبان استطاعت أن تصمد وهي تزيد من قوتها يوما بعد يوم مع غياب حكومة مركزية قوية. أفغانستان، التي تأتي في أعلى قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم، لم تستطع بناء بنية تحتية قوية خلال 11 عاما من الاحتلال رغم استلامها مليارات الدولارات كمساعدات دولية. بعض المتنفذين الانتهازيين في أفغانستان استغلوا الفرصة ليجمعوا ثروات طائلة بفضل الفساد في البلد، كما تعد تجارة المخدرات المصدر الرئيس للدخل لحركة طالبان في جنوب أفغانستان.

مع الغموض الذي يلف مستقبل أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي بحلول نهاية 2014، ودون وجود حكومة مركزية قوية في كابول، فإن المراقبين يرجحون أن الرئيس الأفغاني أيضا يسعى إلى عقد صفقة مع حركة طالبان بخصوص مستقبل البلد. تقاسم السلطة مع حركة طالبان كان على أحد مبادرات كرزاي الذي كان يردد منذ فترة لا بأس بها عبارة "الإخوة الأعزاء في طالبان". هؤلاء "الإخوة الأعزاء" لديهم الآن بعثة رسمية في الدوحة.

الاحتجاج الرسمي الغاضب للحكومة الأفغانية والبرلمان الأفغاني دفع الحكومة القطرية والولايات المتحدة إلى الضغط على حركة طالبان لإزالة اللوحة والعلم اللذين وضعتهما على مدخل المقر في الدوحة. الولايات المتحدة هددت طالبان بإغلاق المكتب في حال استمرت في سلوكها الصدامي مع الحكومة الأفغانية المركزية في كابول.

هناك بعض المسؤولين في أفغانستان يعتقدون أن التخطيط لافتتاح هذا المقر الرسمي لطالبان في الدوحة، في الوقت الذي ليس هناك سفير أفغاني في الدوحة منذ سنة، له علاقة بالأداء المخادع للرئيس حامد كرزاي. هؤلاء المسؤولون يتهمون كرزاي بعقد مباحثات سرية مشبوهة مع حركة طالبان عرض خلالها تقاسم السلطة مع الحركة بعد رحيل القوات الأميركية من أجل ضمان بقائه هو شخصيا في السلطة، أو من أجل ضمان دعم طالبان لترشيح شقيقه في الانتخابات الرئاسية القادمة. إذا تطور الوضع الأمني في أفغانستان وأصبح خطيرا في فترة الانتخابات، يستطيع كرزاي بسهولة أن يلغي الانتخابات، ويدعو إلى اجتماع طارئ لمجلس "لويا جيرغا" بحيث يتم ترتيب بقائه في السلطة إلى أن حين يصبح ممكنا إجراء الانتخابات. دعم طالبان هام بالنسة إليه، وقد استخدمهم كثيرا كأداة في محادثاته مع الأميركيين وآخرين.

جدير بالذكر أن الطرف الذي قد يخسر الكثير في نهاية المطاف في أفغانستان هي المرأة الأفغانية التي استطاعت خلال الفترة الماضية، رغم كل الفقر وكل الصعوبات الأخرى، أن تحصل على حقوق التعليم وبعض حرية التعبير. الحركات النسائية والناشطات في أفغانستان يخشين أن تؤدي عودة طالبان إلى حرمانهن مرة أخرى من التعليم، والعودة إلى عهد طالبان الذي يشبه عهد القرون الوسطى القاتمة.

في دبي، قال لي صديق يملك شركة عقارية كبيرة أنه خلال الشهور السنة الأخيرة ازداد عدد الأفغان الراغبين في شراء عقارات في دبي بشكل لا يصدق. القلق من مستقبل أفغانستان واحتمال فقدانهم لرؤوس أموالهم في حال بقوا في أفغانستان في المدى المنظور، جعل الكثيرين من الأثرياء الجدد ينقلون أسرهم إلى دبي ليستقروا هناك. أما بالنسبة للمواطنين الأفغان العاديين الذين لا يمتلكون المال ولا يمكنهم الانتقال إلى مكان آخر للعيش فيه، فهم يخشون بشكل متزايد على مصير بلدهم.

أفغانستان ستعود إلى صدر الاهتمام الإعلامي قريبا، ولكن لا أحد يعرف بالضبط ما ستكتبه عناوين الصحف عنها. لنأمل ألا تتحدث الصحف خلال أقل من سنة عن عودة طالبان إلى كابول واستلام زمام الحكم مرة أخرى.