عندما تبدأ ثورة أو حركة كبيرة، من الصعب معرفة الشخصيات التي تظهر هنا وهناك. أشخاص غير معروفين يمكن أن يصبحوا مشهورين بين يوم وليلة ويصبحوا "مخلصين" في عيون البعض. الخطباء الجيدون، مع شيء من الحظ والجاذبية، يمكن أن يصلوا إلى مواقع قيادية بين ليلة وضحاها.

هذا يشبه ما يحدث في الثورات في الإطار العام، مع بعض الاختلافات الهامة طبعا. فكثير من الذين يصلون إلى مواقع قيادية متقدمة قد لا يكونون هم القادة الحقيقيون أو الخيار الأفضل. ربما لا يمتلكون المؤهلات والخبرة اللازمة لتقلد المنصب والقيام بالتغييرات التي يسعى إليها الشعب، ولذلك فليس غريبا أن يشعر الشعب بالإحباط والخيبة من نفس الأشخاص الذين انتخبهم.

ربما من المفيد إلقاء نظرة على الثورة الإيرانية في 1979 والطريقة التي وصل بها آية الله الخميني إلى السلطة ومقارنة ذلك مع الوضع الذي يحيط بمصر الآن.

آية الله خامنئي هو رجل دين أساسا وهو يعتبر أبا الثورة الإسلامية في إيران، مع أنه لم يكن القائد الوحيد للثورة. كانت هناك عدة مجموعات وأحزاب سياسية يسارية وقومية وعلمانية شاركت أيضا في الثورة لتحقيق الهدف المشترك في الإطاحة بالنظام. الإسلاميون كانت لهم اليد الطولى، لأن رجل الدين المسن كان يتمتع بشعبية وثقة كبيرة، وعندما نجحت الثورة كان من السهل عليه اختطافها وهيمن على السلطة ليصبح زعيما للبلاد، وتحول النظام في إيران إلى نظام ديني.

الخيار الوحيد الذي كان أمام الإيرانيين بعد هيمنة الخميني وأنصاره على الحكم هو قبول النظام الجديد أو مغادرة البلاد، رغم أن كثيرين من الذين لم يكونوا راضين عن تحول إيران إلى نظام ديني ساهموا أساسا في الثورة التي أطاحت بنظام الشاه. نتيجة للحملة التي قام بها الخميني والنظام الإسلامي الجديد في طهران، تعرض كثير من الإيرانيين إلى القتل والسجن، واختفى كثير منهم، وهاجر كثيرون هربا من بطش النظام الثوري الجديد.

الفرق بين إيران ومصر هو أن الرئيس محمد مرسي لم يختطف الثورة، لأنه جاء نتيجة لصناديق الاقتراع. لكن الحقيقة هي أن محمد مرسي لم يكن معروفا من قبل، ووصل بالصدفة إلى السلطة ليمسك بزمام دولة هامة في الشرق الأوسط دون أن يكون لديه ما يكفي من الخبرة ليقوم بأداء هذا العمل بالشكل المطلوب. كل ما في الأمر أن خيرت الشاطر، الذي ينتمي أيضا إلى حركة الإخوان المسلمين ويتمتع بكاريزما قيادية، تم رفض ترشيحه للرئاسة لأسباب دستورية، فاضطر الإخوان إلى اختيار مرشح بديل على عجالة، فجاء الاختاير على الدكتور محمد مرسي.

عندما وصل الخميني إلى السلطة، منذ 34 سنة، لم تكن القنوات الفضائية منتشرة، إنترنت، أو هواتف جوال. الصحفيون العالميون الموجودون في طهران قاموا بتغطية "ثورة القرن"، وعندما شعر النظام الإيراني أن وجودهم لم يعد يخدمه طردهم وأغلق البلد حتى انتهى من تصفية حساباته مع جميع المنافسين داخل إيران. في غياب الاتصالات والتغطية المباشرة، لم يسمع العالم صرخات السجناء السياسيين الذين تم إعدامهم خلال فترة قياسية.

اليوم، نحن نعيش عصر ثورة الاتصالات، وهذا يجعل أي شخص قادرا على إيصال أي خبر إلى جميع أنحاء العالم بشكل فوري من خلال تغريدة على تويتر أو تعليق على فيسبوك أو مقطع فيديو على يوتيوب مثلا. كما يستطيع الناس التنسيق والخروج في مظاهرات منظمة بالاستفادة من وسائل الإعلام الاجتماعي المختلفة المتوفرة حاليا.

لكن الذي يمكن أن يتكرر مرات ومرات هو خطأ اختيار قائد غير مناسب. بعد عام واحد فقط على انتخاب مرسي رئيسا، ها هم ملايين المصريين ينزلون إلى الشارع يطالبونه بالرحيل لفشله في قيادة البلد وانحيازه الواضح لحركة الإخوان المسلمين بدلا من أن يكون رئيسا لكل المصريين.

هناك حالة أخرى معاصرة برز فيها شخص من المجهول ليصبح رئيسا لبلد، وهو الرئيس الأفغاني حامد كرزاي. لكن الأفغان كان من شبه المستحيل عليهم الثورة على كرزاي وحكومته الفاسدة. أفغانستان بلد محتل يعاني من اضطرابات أمنية كبيرة، ولذلك يصعب القيام بثورة ضد الحكومة في مثل هذه الظروف.

عندما نجحت الثورة المصرية في الإطاحة بنظام الرئيس السابق محمد حسني مبارك، كان الإخوان المسلمون هم الجماعة الأكثر تنظيما وانتشارا في المجتمع المصري، وقد ساعد هذا كثيرا على وصول الجماعة ليس إلى سدة الرئاسة المصرية فحسب، بل شكل أعضاء "الإخوان المسملون" أغلبية في مجلسي الشعب والشورى واستطاعوا تمرير دستور يناسبهم بطريقة اعتبرها منافسوهم مخادعة وغير نزيهة. لكن فرصة نجاح الإخوان في إدارة شؤون البلاد، خاصة في تولي مهام رئاسة الجمهورية، كانت غير معروفة، تماما مثل الزواج السريع الذي لم يدرس بشكل كاف.

في إيران، هناك مثل يقول ما معناه أن العروس التي يتحدث عنها الناس كثيرا قد تكون أسوأ الخيارات. والقائد الذي يعد الشعب بتحقيق الكثير ولا يتمكن من تحقيق شيء له، قد يكون أسوأ خيارات الشعب.