خلال الحرب العالمية الثانية قامت الحكومة الأميركية بين عامي 1942 و1945 بإصدار سلسلة أفلام بعنوان "لماذا نقاتل؟" (why we fight) كان هدفها الأساس هو التوضيح للجنود والرأي العام الأميركي أسباب دخول الولايات المتحدة في الحرب والأهداف الحقيقة من وراء القتال، فوضوح الرؤية من أهم الأمور وفي الحرب قبل السلم. وقبل أن نقاتل علينا أن نسأل لماذا نقاتل؟ ومن أجل ماذا نقاتل؟ والجندي الذي يعلم إجابة هذا السؤال سيعلم أيضا بالضرورة كيف عليه أن يقاتل؟ ومتى يتوجب أن ينتهي القتال؟ وما يجب أن تؤول إليه الأمور بعد القتال.

إجابات هذه الأسئلة تتنوع في سورية اليوم، ولا شك أن أغلب السوريين يقاتلون من أجل رفع طغيان نظام أذاقهم على مدى عقود أقسى أنواع الظلم والاضطهاد، هؤلاء يعون إجابات الأسئلة أعلاه ويقاتلون من أجل وطن. ولكن في المقابل كم من شباب الأمة الذين توجهوا للقتال في سورية يعون حقا إجابات هذه الأسئلة؟ كم منهم يقاتل تحت راية نصرة الشعب السوري من أجل أهداف مستترة لتنظيم القاعدة؟ أو يقاتل من منطلق طائفي لصراع بين السنة والشيعة؟ وهو المنطلق الطائفي الذي عمل نظام بشار الأسد نفسه على إنشائه وتغذيته والاستفادة منه. كم منهم ذهب ليكون حطبا يشعل الأمر وهو يظن أنه يساهم في إطفائه؟

لا شك أن المأساة التي يعانيها الشعب السوري الشقيق تستفز نخوة ومشاعر وعواطف كل عربي ومسلم، ولكن قبل أن نتوجه "للجهاد" في سورية علينا أن نسأل لماذا "نجاهد" هناك؟ وهل "الجهاد" في سورية يساهم فعلا في نصرة الشعب السوري أم يزيد من تعقيد الوضع ويعرقل كل جهد حقيقي في هذا الاتجاه؟ من السهل أن يندفع البعض في الإجابة على هذا السؤال بنفس السهولة التي يندفع فيها بعض العلماء لفتح باب الجهاد في سورية وإلقاء الشباب حطبا في أتون هذه المعركة وهم قاعدون في بيوتهم يرفلون في خيرات أرباح برامجهم الفضائية، يستصرخون الشباب من على بعض المنابر وفي بعض المؤتمرات ومن خلف شاشات التلفاز وعلى ساحات الإنترنت وبالتغريدات ويأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم.

من السهل أن ينعقد مؤتمر كمؤتمر علماء المسلمين في القاهرة منتصف شهر يونيو الماضي ليخرج علينا جمع منهم ببيان يدعو للجهاد بالنفس في سورية، ولم نسمع حتى الآن عن أحد هؤلاء العلماء حبب إلى أبنائه الجهاد والاستشهاد في سورية قبل أن يحببه لأبناء المسلمين، وليست المسألة اعتراضا على المبدأ وللجهاد قواعد منوطة بها وشروط تحكمها، وفرق بين من "يجاهد" في سورية من السوريين "ليدفع" ما به من ظلم، ومن "يجاهد" في سورية من غير السوريين "طلبا" وهو لم يدع له، والسؤال هنا: هل استصرخنا السوريون لنمدهم بالرجال في المقام الأول؟

التشخيص السليم هو نصف العلاج، وسورية تحتاج اليوم منا تشخيصا سليما ورؤية واضحة ننحي فيها العواطف جانبا ليستبين حقا ما يتوجب علينا فعله لنصرة السوريين، ولنتجنب دس السم في العسل والإلقاء بشبابنا في خدمة مشاريع مختلفة تعمل على أرض سورية لأهداف مختلفة، سواء مشروع النظام السوري لتحويل الأمر إلى صراع طائفي في المنطقة أو مشروع بعض الجماعات التي تضع مصلحتها قبل مصلحة الوطن، أو مشروع تنظيم القاعدة لإيجاد إمارة جديدة تعيد لنا كما حدث سابقا في الأنبار بالعراق أنموذجا متخلفا وصل به الأمر حد تحريم ومنع النساء من شراء بعض الخضراوات بأنفسهن!

منذ اندلاع الثورة السورية في مارس 2011 جرت مياه كثيرة في هذه القضية التي تحولت لمأساة، واختلط فيها البعد الإنساني بالسياسي والداخلي بالإقليمي والعالمي، تتحول سورية تدريجيا لعقدة المنطقة الأساسية، لا على الصعيد الإنساني فقط بوقوع حوالي 100 ألف قتيل إلى يومنا هذا وحوالي 1.5 مليون لاجئ عدا النازحين داخليا، وإنما أيضا على الصعيد السياسي بسبب تشابك العوامل فيما يجري بسورية، وهو ما زاد من تعقيد المسألة، حتى غدت وجهة النظر القائلة بأن "الحرب الأهلية" في سورية لن ينطفئ أوارها "قبل عشر سنوات" وجهة النظر الأساس التي تحرك السياسة العالمية وتحدد توجهاتها إزاء ما يحدث هناك.

لكن هذه وجهة نظر لا يمكن لنا قبولها أو السماح بحدوثها، وهو ما يوجب علينا أن نسأل أنفسنا بصدق وأمانة لماذا نقاتل هناك؟ وكيف يمكن لنا أن ننصر الشعب السوري من أجل قضيته ومن أجل وطنه ومن أجل أهدافه هو لا أهداف الغير؟