أظهرت أزمة رحلة الخطوط البريطانية في مطار الرياض يوم الأربعاء الماضي (29 رمضان، 7 أغسطس) مدى الحاجة إلى قانون محلي أو إقليمي يحمي المسافرين، وعدم الاكتفاء بالاتفاقات الدولية التي لا تقدم سوى مستوى محدود من الحماية لهم.


فحسب تقارير وسائل الإعلام السعودية والبريطانية، اضطرت طائرة تابعة للخطوط البريطانية إلى الهبوط الاضطراري مرتين في مطار الرياض، بعد إقلاعها منه بقليل، بسبب خلل في الأجنحة. ومع أن الإصابات كانت طفيفة، إلا أن فترات الانتظار كانت طويلة، تجاوزت (24) ساعة، كما كانت معاناة المسافرين قاسية خلالها.


ووصف الركاب ما حدث خلال الهبوطين الاضطراريين وما تبعهما بـ"الرعب" و"الفوضى"، وتخلي الخطوط البريطانية عن المسؤولية، وعدم إحاطتهم بما كان يحدث. وقالوا إن الطاقم الأرضي "اختبأ" في مكاتب خلفية، تاركين موظفا واحدا للتعامل مع أكثر من (300) راكب، مما اضطر بعض الركاب إلى تدبير سكن بوسائلهم الخاصة بعد الهبوط الاضطراري الأول، ليفاجؤوا بإشعار من الخطوط بالعودة إلى المطار الساعة الثالثة صباحا، ولكن الرحلة لم تغادر هذه المرة إلا بعد ست ساعات من الانتظار، وبعد (30) دقيقة في الجو، عادت الطائرة أدراجها مرة أخرى إلى مطار الرياض، ليبدأ الانتظار من جديد.


وعلى الرغم من هذه المعاناة، ليس من الواضح ما إذا كان الركاب سيتلقون أي تعويضات عما حدث لهم، وعما تكبدوه من خسائر، إضافة إلى الوقت الثمين الذي أضاعوه في الانتظار، وعدم توفير رحلات بديلة لهم.


ويُظهر هذا الحدث عدة قضايا كثيرا ما تواجه الركاب في مثل هذه الظروف. فهناك أولا: عدم الوضوح من قبل الخطوط عما يحدث وما تنوى اتخاذه من إجراءات لحل المشكلة. ثانيا: عدم تقديم المساعدة في الحال، سواء من ناحية الأكل أو مكان الانتظار أو السكن، إذ لاحظنا في هذه الحالة أن الطاقم الأرضي قد اختفى. ثالثا: عدم تقديم بدائل للمسافرين للسفر على خطوط أخرى. ورابعا: عدم تقديم تعويضات للمسافرين تتلاءم مع حجم المعاناة التي مرّوا بها.


وليس هناك أجوبة واضحة عن هذه الأسئلة؛ لأن الأمر يعود إلى الخطوط ومدى اهتمامها بسُمعتها وقدرتها على إقناع الركاب. فخطوط الطيران، ككثير من الشركات، لا تقدم من الخدمات والمساعدات والتعويضات إلا ما هي مضطرة إلى تقديمه بحكم القانون والاتفاقات الدولية. وحتى حينما يكون القانون والمواثيق الدولية في صف الراكب، فإنها ستبحث عن طرق لتفادي المسؤولية، وليس للراكب القدرة عادة على الحصول على حقوقه ما لم توجد جهة مسؤولة، وطنية أو إقليمية، لديها القدرة على متابعة التنفيذ.


وكما نعرف فإن الاتفاقات الدولية للطيران، مثل ميثاق مونتريال ووارسو وغيرهما، لا تمنح سوى الحد الأدنى من الحقوق، فضلا عن كونها عصية على الفهم للمواطن العادي، وصعبة التنفيذ على المستوى الوطني، مما يجعلها تظهر كما لو كانت قد صممت من قبل خطوط الطيران، ومن أجلها.


ويفسر هذا الوضع القانوني الطريقة التي تتعامل بها بعض خطوط الطيران مع شكاوى الركاب، وقد حظيت الخطوط البريطانية، في السنوات الأخيرة، بنصيب كبير من تلك الشكاوى، التي قلما تجد حلا إلا في الدول والمناطق التي تُلزم الخطوط بالاستجابة.


ونظرا إلى ضعف الحماية الدولية للركاب، وكون قدرة السلطات الوطنية على التدخل في ظل تلك الاتفاقات محدودة، فقد قامت عدد من الدول والمنظمات الإقليمية بإصدار قوانين إضافية، محلية وإقليمية، توفر حماية أفضل.


ويُعد النظام الذي تبناه الاتحاد الأوروبي من أفضل القوانين التي تم إصدارها في هذا المجال. ووفقا لهذا النظام، تشمل حقوق المسافرين ـ ضمن ما تشمل ـ ما يلي:


أولا: الشفافية والوضوح: من حق المسافر أن يحصل قبل سفره، وخلال جميع مراحل السفر، على معلومات مفصلة وصحيحة عن التكلفة الحقيقية للتذكرة، وحقوقه في حالة حدوث ظروف غير متوقعة قد تؤدي إلى تأخير الرحلات أو إلغائها.


ثانيا: في حالة إلغاء الرحلة أو تأخيرها طويلا، أو عدم تمكين الراكب من السفر لأي سبب، يحق له استرجاع كامل قيمة التذكرة، أو الحصول على بديل مناسب، تقدمه الخطوط حال وقوع المشكلة، لتأمين سفر الراكب في أقرب فرصة ممكنة، على الخطوط نفسها أو غيرها.


ثالثا: تقدم للمسافرين، خلال جميع مراحل السفر، الخدمات اللازمة خلال فترة انتظارهم، بصرف النظر عن أسباب التأخير.


رابعا: في حالة إلغاء الرحلة أو تأخيرها طويلا أو عدم تمكين الراكب من السفر، يحق للراكب تعويض يتلاءم مع طول فترة التأخير وطول الرحلة وسعر التذكرة. وقد وضعت المفوضية الأوروبية جداول مفصلة عن مقدار التعويض الذي يحق للمسافر في كل حالة، بما لا يترك مجالا للاجتهاد أو التهرب.


خامسا: تقوم الجهات المختصة في الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء بمتابعة التنفيذ، ويحق للراكب التظلم لديها، وفي حالة عدم الاقتناع يمكن له التظلم لدى القضاء الأوروبي أو المحلي في الدول الأعضاء.


وقد خفف هذا النظام الكثير من معاناة المسافرين جوا في دول الاتحاد الأوروبي، ومر بتعديلات متعددة إلى أن وصل إلى وضعه الحالي. ويناقش البرلمان الأوروبي حاليا تعديلات جديدة أخرى. وقد دفع النظام، في صيغته الحالية، شركات الطيران إلى تقديم خدمات أفضل، وتعويضات سخية، لدى تأخير الرحلات أو إلغائها، مما تكون قد لاحظته خلال سفرك في دول الاتحاد.


ولكن المشكلة أن هذا النظام يطبق في دول الاتحاد الأوروبي فقط، ولا يطبق خارجه، وليست شركات الطيران الأوروبية ـ مثل الخطوط البريطانية ـ ملزمة بتطبيقه خارج منطقة الاتحاد.


ولذلك، فإننا بحاجة إلى تبني نظام شبيه للنظام الأوروبي؛ لتوفير حماية مماثلة للمسافرين، ويمكن تصميم نظام وطني في المملكة، أو على مستوى مجلس التعاون، يوضح حقوق المسافرين والتزامات شركات الطيران، على نحو شفاف وسهل الفهم والتطبيق، ويكل إلى جهات محايدة مسؤولية تنفيذه، بدلا من ترك المسافرين تحت رحمة شركات الطيران وتقديرها.