صادف يوم الاثنين 19 أغسطس مرور الذكرى السنوية الـ60 للانقلاب ضد الدكتور محمد مصدق، أول رئيس حكومة منتخب ديموقراطيا في إيران، والذي شاركت فيه وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. وقد أفرجت السلطات الأميركية عن وثائق حول هذا الأمر بعد أن فقدت صفتها السرية بسبب مرور 60 عاما عليها. وتعترف الولايات المتحدة في هذه الوثائق بدور وكالة الاستخبارات المركزية في الانقلاب ضد مصدق في عملية أطلق عليها اسم "أجاكس".

دور الاستخبارات الأميركية في هذا الانقلاب لم يكن خافيا على أحد، وقد سبق لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت، أن وجهت اعتذارا علنيا في 1998 عن دور الولايات المتحدة في هذا الانقلاب.

محمد مصدق، الذي قام بتأميم البترول الإيراني، لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة في إيران، خاصة بين الشباب، رغم مرور 46 عاما على وفاته. وفي كل مرة يريد فيها الإيرانيون أن يعبروا عن حبهم للشخصيات الإيرانية التي أسهمت في خدمة إيران وتحسين مستوى معيشة الإيرانيين، تبرز صورتان بشكل رئيسي: صورة محمد مصدق، وصورة الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي.

الذكرى الـ60 للانقلاب الذي شاركت به وكالة الاستخبارات المركزية كانت مناسبة لإعادة النظر للعلاقات بين إيران والولايات المتحدة. ومع ذلك، لا يزال النظام الإسلامي في إيران يلجأ لاستخدام المناسبة للهجوم على الولايات المتحدة وفضح تاريخها السيء في التدخل في الشؤون الإيرانية الداخلية. المرشد الأعلى للثورة، آية الله خامنئي، أشار في مناسبتين منفصلتين على الأقل في العام الماضي إلى دور وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في انقلاب 1952 ضد مصدق في إطار شرح أسباب عدم ثقته في الإدارة الأميركية.

بالرغم من الثروات الكبيرة والموارد الطبيعية المتنوعة التي تتمتع بها الجمهورية الإسلامية، لا يزال الاقتصاد الإيراني يعاني من أزمة خانقة بسبب العقوبات الدولية الصارمة المفروضة على إيران منذ بداية الثورة الإسلامية، والتي أدت إلى شل النمو الاقتصادي وتراجعه. العقوبات الأخيرة على قطاع النفط الإيراني والمستثمرين الأجانب والبنوك الدولية التي تتعامل مع إيران لم تترك أي مجال للبلد حتى يتنفس أو يحاول التهرب من هذه العقوبات بأية طريقة كانت.

ما يجعل إيران تتردد كثيرا حتى الآن في التفاوض مع الولايات المتحدة هو خوف النظام الإيراني على نفسه. هناك اعتقاد عميق مترسخ لدى أركان النظام الإسلامي في إيران وجميع المقربين منه تقريبا بأن الولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص، والغرب بشكل عام، يعملون كل ما بوسعهم للإطاحة بالنظام الإيراني الحالي واستبداله بنظام حكم على النموذج الغربي.

لذا قامت السلطات الإيرانية بسجن كثير من السياسيين والناشطين الإصلاحيين واعتقال حتى الذين يتمتعون بعقول منفتحة وتوجيه اتهامات مختلفة إليهم، من بينها التخابر مع جهات أجنبية والتعامل معها، والتي أصبحت تهمة شائعة وقالبا جاهزا ضد كل من يتم اعتقاله من الإصلاحيين على يد السلطات الأمنية في إيران.

بالطبع تغيرت الأمور كثيرا عما كان عليه الحال منذ 60 عاما، وربما لم يعد بالإمكان ببساطة دفع أموال لمخربين بشكل مباشر، كما حدث في عام 1952، وتوجيههم للقيام بأعمال شغب وتخريب في شوارع طهران والمدن الرئيسية الأخرى. لكن ما يقلق المرشد العام للثورة، آية الله علي خامنئي، وباقي القيادات في إيران هو حدوث نوع آخر من الانقلاب يكون من بين أدواته أشخاص من داخل النظام الإيراني من الذين يرغبون في إقامة علاقات قوية مع الدول الغربية، وأن يعمل هؤلاء على إحداث التغييرات بشكل تدريجي وبطيء بدلا من الانقلاب مباشرة على النظام الحالي بشكل قد لا يلقى ترحيبا لدى شريحة واسعة من الإيرانيين، وخاصة المحافظين.

الرئيس الأميركي باراك أوباما، طلب عدة مرات من القادة الإيرانيين التخلي عن الماضي وعبر عن رغبة بلاده واستعدادها للمضي قدما وبناء علاقات جديدة مع طهران، لكن النظام في إيران لم يظهر استعدادا حقيقيا حتى الآن لهذه الخطوة، وقد لا يتحرك بشكل جدي في هذا الاتجاه ما لم يحدث شيء جوهري وكبير يكسر هذا الجمود في علاقات البلدين.

من ناحية أخرى، قد تكون هناك بارقة أمل حاليا بعد وصول الرئيس الإيراني الإصلاحي حسن روحاني إلى الحكم، ولذلك ينتظر المراقبون أن تتخذ الإدارة الإيرانية الجديدة خطوة تظهر فيها اهتماما بالمفاوضات المباشرة والجدية مع الإدارة الأميركية. المفاوضات الإيرانية – الأميركية يجب أن تبنى على أساس المصالح المشتركة للبلدين وأن تكون فاتحتها إيجاد حل للملف النووي الإيراني العالق منذ سنوات في دهاليز المفاوضات التي لم تصل إلى أية نتيجة حتى الآن. الرئيس حسن روحاني والمرشد الأعلى آية الله خامنئي، يعرفان تماما أن الرئيس باراك أوباما لديه سنتان فقط في منصبه الحالي، والرئيس القادم قد لا يكون مثل الرئيس أوباما راغبا بالحوار ووضع الماضي خلفه. لذلك فإن أمام النظام في إيران سنتين تقريبا لفتح آفاق المفاوضات الجدية مع الولايات المتحدة والدول الغربية بشكل عام.

روحاني رجل ذكي وحكيم ويتمتع بما يكفي من الخبرة لينهي المهمة، التي بدأها الرئيس محمد خاتمي منذ سنوات طويلة عندما كان رئيسا للجمهورية الإسلامية، والتي تهدف لإقامة علاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأميركية. فهل سنشهد قريبا مصافحة بين روحاني وأوباما؟