بالرغم من ارتفاع حدة التوتر بخصوص الأزمة في سورية وأن نظام الرئيس بشار الأسد استخدم السلاح الكيماوي ضد المدنيين، لا تزال ردات الفعل العالمية مليئة بالتناقضات ولم يستطع المجتمع الدولي بعد اتخاذ القرار المناسب بكيفية التعامل مع هذه المشكلة.

الرئيس أوباما، الذي قال مرة إن استخدام الأسلحة الكيماوية "خط أحمر"، يتردد في استخدام القوة ضد نظام الأسد. كما أنه يتعرض لضغوط كبيرة من بعض الدول وكذلك لفريق من الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة لاستخدام القوة العسكرية ضد سورية، ومن جانب آخر يتعرض لضغوط أخرى سياسية وشعبية ليمتنع عن القيام بضرب سورية، حيث تظهر استطلاعات الرأي أن الرأي العام الأميركي يقف ضد اللجوء إلى القوة العسكرية في سورية.

من أولى المخاوف الأميركية أن قصف سورية قد يستفز النظام السوري ويجعله يرد بشكل يوسع نطاق الصراع إلى درجة لا ترغب بها الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل خاص. هذا الرد من النظام السوري يمكن أن يشمل بالدرجة الأولى مهاجمة إسرائيل أو ضرب المصالح الأميركية في المنطقة.

بعض دول المنطقة لديها مصالح مختلفة في الرغبة بأن تقوم الولايات المتحدة بضرب سورية. تركيا مثلا تعاني من وجود أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين على أراضيها، والذين تزايدت أعدادهم إلى حد كبير بعد ارتفاع احتمال تعرض سورية لهجوم عسكري أميركي وشيك. منذ عامين، عندما فتحت تركيا حدودها أمام اللاجئين السوريين لم يكن لدى المسؤولين فكرة بأن التحرك الديموقراطي في سورية سوف يتحول إلى حرب أهلية بشعة تسبب نزوح أعداد متزايدة من السوريين من بيوتهم إلى داخل وخارج البلد. الآن تخشى تركيا ودول جوار سورية الأخرى أن ملايين اللاجئين السوريين قد لا يتمكنون من العودة إلى بيوتهم مطلقا.

الحكومة التركية أخذت منذ بداية الأزمة في سورية موقفا يدعم المعارضة وهي تطالب بتنحي الرئيس الأسد. تركيا أضرت بعلاقتها مع إيران بسبب سورية وراهنت كثيرا على نجاح الإخوان المسلمين بعد وصولهم إلى سدة الحكم في مصر، الأمر الذي جعل كثيرا من المصريين غاضبين من الدعم التركي للرئيس محمد مرسي.

في إسرائيل، مع أنهم يرغبون في جر الولايات المتحدة إلى مواجهة مع سورية، إلا أنهم قلقون من مرحلة ما بعد الأسد. إسرائيل تعتقد أن توجيه ضربة قوية إلى سورية ستبعث رسالة إلى طهران بضرورة حل أزمة ملفها النووي مع الغرب. لكن السؤال هو: في حال خروج الحرب على سورية عن السيطرة وتحولها إلى حرب شاملة والإطاحة بالأسد: من سيأتي في مكانه؟ الأسد أثبت أنه بالرغم من دعمه غير المحدود لحزب الله، إلا أنه قادر على ضبط الحدود السورية والحفاظ على الهدوء فيها. لكن ليس هناك ضمان بأن أي حكومة أخرى تحل محل نظام الأسد ستكون قادرة على لعب الدور نفسه، خاصة مع زيادة قوة التيارات المتشددة على الساحة السورية واحتمال تمتعها بنفوذ كبير في مرحلة ما بعد الأسد بسبب الدور المهم الذي تلعبه حاليا من أجل إسقاطه. هذا يجعل البعض في إسرائيل يفضلون استمرار حكم الأسد حتى لا يفسد سقوطه الهدوء على الحدود مع سورية.

الجامعة العربية طالبت منذ أيام الأمم المتحدة بإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، وأعلنت عدة دول عربية رفضها للضربة العسكرية، في الوقت الذي أعلنت فيه دول أخرى تأييدها لمثل هذه الضربة. قرار الرئيس أوباما بالعودة إلى الكونجرس لطلب تفويض بالحرب على سورية يعود إلى التناقضات التي شابت مواقف المجتمع الدولي الرسمي.

إيران تعرف جيدا حساسية موقفها واحتمال جرها إلى التدخل مباشرة في مثل هذه المواجهة بين سورية والولايات المتحدة، ولذلك فإنها تحرص على اتخاذ موقف مناسب وموزون. فهي تعلن دائما على ضرورة إيجاد "حل سلمي" للأزمة السورية. وفي الوقت نفسه تدين التدخل العسكري في سورية. نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد صرح لصحفيين بأن مهاجمة سورية تعني مهاجمة إيران. إذا كانت سورية تريد فعلا الاستدراج إلى مواجهة لا تريدها طهران في سورية، فإن حزب الله سيتدخل من لبنان أيضا ويجر البلد إلى أتون الصراع.

وفي جميع الأحوال، بقدر ما يعرف الرئيس أوباما أنه جاء إلى السلطة على أساس إنهاء حربين خارجيتين في أفغانستان والعراق، يعرف الرئيس روحاني أيضا أن جدوله الانتخابي قدم وعودا بإنهاء عزلة إيران الدولية.

إيران لديها مباحثات هامة قريبا مع القوى الغربية الرئيسية وتريد أن تحل الملف النووي من أجل تخفيف العقوبات الدولية المتخذة ضدها لإرضاء الشارع الإيراني. إيران صرحت بأنها لن تقف مع الأسد أو النظام السوري في حال ثبت أنه مسؤول عن استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين قرب دمشق.

الإيرانيون يقولون إنهم كانوا ضحية استخدام الأسلحة الكيماوية أثناء الحرب مع صدام حسين، ولذلك فإنهم لن يقفـوا مع الرئيس الأسـد إذا ثبت استخدامه للأسلحة الكيماوية.

ربما يلعب الإيرانيون دورا أفضل من خلال إقناع الأسد بالتوجه إلى مؤتمر جنيف 2 وقبول وقف إطلاق النار.