بدا الرئيس الأميركي باراك أوباما في لقاءاته الإعلامية الأخيرة مع شبكات التلفزة الأميركية واعيا تماما لآراء الشارع الأميركي التي عكستها استطلاعات الرأي الأخيرة، والتي بينت أن هذا الشارع لا يؤيد القيام بعمل عسكري ضد سورية، أو أي مكان في العالم. هذا الوعي جعل الرئيس الأميركي، على ما يبدو، يتراجع عن هدفه قليلا، بعد أن كان على وشك إصدار أوامره بتوجيه ضربات عسكرية إلى سورية. بعض المراقبين يعتقدون أن احتمالات توجيه ضربة عسكرية إلى سورية الآن تكاد تكون معدومة.

الرئيس الأميركي عبر عن قناعته بأن موافقة سورية على الاقتراح الروسي بوضع الترسانة الكيماوية السورية تحت الرقابة الدولية تشكل اختراقا قد يمنع حدوث الضربة العسكرية. الفكرة طرحها في البداية وزير الخارجية الأميركي جون كيري والتقطتها الدبلوماسية الروسية فورا لتحولها إلى مبادرة وافق عليها وزير الخارجية السوري بشكل مباشر تقريبا.

الرئيس السوري بشار الأسد أيضا ظهر مؤخرا على تلفزيون (بي بي إس) الأميركي وحث الأميركيين على ضرورة الوصول إلى حل سياسي، وعبر عن استعداد نظامه للمشاركة في أي محادثات سلام يمكن أن تؤدي إلى حل للأزمة السورية. وهناك عامل آخر يقلص من إمكانية توجيه ضربة عسكرية أميركية إلى سورية في الوقت الحالي، وهو اقتراب موعد انعقاد الدورة التالية للجمعية العامة التي يحضرها معظم قادة العالم في نيويورك. من ناحية ثانية، التدخل العسكري الغربي الأخير في ليبيا لم يكن مثيرا للإعجاب مطلقا. ليبيا لا تزال تعيش في حالة فوضوية وتحولت إلى ملاذ آمن للعصابات المسلحة والإرهابيين الذين يعرضون أمن وسلامة الحكومة والشعب إلى الخطر. ورغم مرور عامين تقريبا على سقوط معمر القذافي، لا يزال ابنه سيف الإسلام القذافي معتقلا لدى إحدى الجماعات المسلحة وهي ترفض تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لمحاكمته.

رغم مرور سنوات على بداية الربيع العربي، لا تزال مصر وليبيا، ناهيك عن سورية، تعاني من الصراعات ومن التدخل الأجنبي في شؤونها الداخلية وتزعزع الاستقرار فيها. وسط كل هذه التعقيدات، من الصعب على الولايات المتحدة التدخل عسكريا في بلد آخر، خاصة أن هناك مخاوف من أن ضرب سورية قد يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بالكامل وربما يؤذي مصالحها القومية في المنطقة في نهاية المطاف.

الثورة في إيران التي حدثت قبل 34 عاما، كانت مقارنة مع ثورات الربيع العربي، بعيدة عن التعقيدات التي نشهدها في دول الربيع حاليا. ربما كان أحد أسباب ذلك هو أن الحصول على السلاح في إيران منذ 34 عاما كان صعبا ولذلك اعتمدت على السلمية في المظاهرات الحاشدة التي واجهت بها قوات الأمن الإيرانية في ذلك الوقت. من ناحية ثانية، الثورة الإيرانية كانت شبه موحدة خلف آية الله الخميني. دول الربيع العربي، بعكس إيران، تمتلك أنظمتها أسلحة متطورة، والتطرف يلعب دورا هاما في الحركات الثورية. الشعوب الفقيرة غير المتعلمة تتعرض للاستغلال بشكل واسع. اجتماع التكنولوجيا الجديدة مع سوء تفسير الإسلام عند بعض الجماعات المتطرفة يجعل العالم أقل أمنا.

وسط كل هذا، على السوريين أن يحاولوا التوصل إلى حل حقيقي لأزمتهم، وهذا الحل يجب أن ينبع من السوريين أنفسهم دون أي تدخل خارجي، سواء كان ذلك من إيران أو روسيا أو تركيا أو الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى من الغرب أو الشرق. الدور المثالي والوحيد الذي يمكن لهذه الدول أن تلعبه هو دور الوسيط النزيه لمحاولة جمع أطراف النزاع في سورية ومساعدتهم على الوصول إلى تسوية سلمية تضمن وحدة البلد وتمنع اتساع الحرب الأهلية وتوجد المناخ الملائم لعودة الأمن والاستقرار إلى هذا البلد.

إذا كانت بعض أطراف الصراع في سورية مستعدة لاستخدام السلاح الكيماوي الآن وقتل الناس، بما في ذلك الأطفال والنساء بوحشية ودم بارد، فليس من المستبعد أن نشهد استخدام أسلحة نووية صغيرة بعد عقد من الزمن في الصراعات الإقليمية والدولية، وليس من المستبعد أن نشهد تدمير مدن كاملة في لحظة واحدة إذا لم يجد العالم المتحضر حلا لمشكلة انتشار أسلحة الدمار الشامل. المشكلة في سورية يجب أن تفتح أعين العالم على المشكلة الأكثر خطورة واتساعا، وعلى المجتمع الدولي أن يعمل على حل هذه المشكلة قبل أن تحدث كوارث إنسانية أسوأ بكثير مما شهدناه في سورية مؤخرا.