الطريق من بغداد إلى الأنبار (110 كلم غرب العاصمة) يشهد انتشارا لعشرات النقاط العسكرية التي تخضع الركاب لتفتيش دقيق مع المطالبة بالهويات الشخصية، أما الإعلاميون فهم غالبا ما يتعرضون للاستجواب عن طبيعة المهمة. وعلى امتداد الطريق السريع المؤدي إلى المراكز الحدودية مع الأردن ليس هناك ما يشير إلى وجود قطاعات عسكرية، وربما فضلت أن تكون في ثكناتها بانتظار إصدار الأوامر لاقتحام ساحة اعتصام الأنبار، وهو الأمر الذي لم يستبعده الأهالي، فضلا عن شخصيات سياسية ومسؤولين في المحافظة.


بيان رقم 40


على الخط السريع يقع مخيم المعتصمين الذي يضم عشرات الخيم التابعة للعشائر، وأخرى لقوى سياسية وشخصيات معروفة. وقبل الوصول إلى المخيم بإمكان الزائر أن يحصل على أكثر من بيان، آخرها حمل الرقم 40 وصدر عقب اجتماع عقد مساء الخميس الماضي بحضور شيوخ العشائر وعلماء الدين في الأنبار، يتضمن رفضهم "استهداف قادة الاعتصام ولصق التهم بهم"، معتبرين ذلك "استهدافاً سياسياً لزعزعة استقرار المحافظة"، ودعوا إلى القصاص ممن انتهك الدم العراقي من المدنيين والعسكريين، وسحب القطاعات العسكرية من المدن، مجددين تفويض المرجع الشيخ عبد الملك السعدي حصراً للتفاوض مع الحكومة بشأن مطالبهم. وأبرز ما ورد في البيان: "عدم استهداف ولصق التهم بقادة الاعتصام، ومنهم الشيخ سعيد اللافي وقصي الزين ومحمد الخميس، لبراءتهم من الدم العراقي، ومنع المظاهر المسلحة والملثمين، والقصاص ممن انتهك الدم العراقي من المدنيين والعسكريين، وسحب القطاعات العسكرية من داخل المدن، وإعادة المطالبة بالحقوق وإبقاء الاعتصام مفتوحاً والصلاة الموحدة، وأن تكون ساحات الاعتصام محمية من قبل الشرطة المحلية".


استمرار الاعتصام


وعلى الرغم من إعطاء الحكومة مهلة للمعتصمين لتسليم المطلوبين، إلا أن المتظاهرين قرروا الاستمرا باعتصامهم بعد سماحهم للشرطة المحلية بتفتيش المكان.

عضو اللجنة التنسيقية لتنظيم التظاهرات في الأنبار، عماد الدليمي، قال لـ "الوطن": "لا يوجد أي اتفاق لإنهاء الاعتصام". وفي حين بين أن المعتصمين من اللجان الشعبية في المحافظات المنتفضة خولوا رجل الدين البارز عبد الملك السعدي للتفاوض مع الحكومة بعد وساطة من الأمم المتحدة من أجل تطبيق مطالب المتظاهرين "دفعة واحدة.. والاعتصامات مستمرة لحين تحقيق المطالب المشروعة"، أكد أن ساحات الاعتصام لن تكون مكانا لحمل السلاح، نافيا في الوقت نفسه مغادرة أي من عشائر الأنبار الساحة، ومشيرا إلى أن المعتصمين قلقون من استخدام ميليشيات الصحوات الجديدة من دون الجيش في إثارة الفتنة بين أبناء الأنبار. وأضح أن "الحكومة، وبعد اقتحام ساحة الحويجة، لجأت إلى ميليشيا صحوات تشكلت من شخصيات عشائرية في الأنبار موالية للمالكي لتكون بديلا عن قوات الجيش لاقتحام ساحة الأنبار وربما اعتقال بعض الأشخاص.. وهذا الأمر يعد بالنسبة لنا إثارة فتنة، وقد اتخذنا كل الإجراءات لإحباط المخطط، فليس من بين أهالي المحافظة من هو مستعد للقتال بالنيابة عن الحكومة، إلا من نفر قليل يسعى لتحقيق مكاسب شخصية".

ويعد أحمد أبو ريشة رئيس مؤتمر أهل العراق هو المؤسس للصحوات، وبعد اندلاع التظاهرات في المحافظات العراقية الغربية تم تعيين أسامة الخدران ليكون بديلا للأول.


حماية المعتصمين


منذ إعلان تشكيل قوة عشائرية لحماية ساحات الاعتصام من احتمال اعتداء عسكري، حاولت الحكومة أن تلفت أنظار الرأي العام إلى أن الأنبار تريد رفع السلاح ضد الدولة.. ممثل المحافظة في البرلمان، النائب عن القائمة العراقية خالد العلواني أكد لـ "الوطن" أن تشكيل الجيش يأتي في إطار الحرص على حماية ساحة الاعتصام وعدم تكرار تجربة الحويجة، وهو أشبه ما يكون بلجان شعبية، الغرض منها تنظيم خطوط الحماية للساحة من المندسين ومن الأشخاص الذين يرمون للقيام بأعمال تخريبية، مشيرا إلى أن تسليح الجيش "يعتمد على الأسلحة الشخصية ولا يمتلك أسلحة ثقيلة، وتم تشكيله استنادا إلى رغبة شيوخ العشائر، وإلزامه بعدم التعرض للجيش إلا في حال الدفاع عن النفس وفتح النار من الطرف الآخر".

وردا على سؤال يتعلق بإمكانية الجيش العشائري مواجهة الجيش النظامي، قال: "ليس في نيتنا رفع السلاح بوجه جيش الدولة، إذا كان جديرا بحمل هذه الصفة، ونحن نعلم أن الاعتقالات العشوائية والنيل من ساحة الاعتصام تنطلق من دوافع طائفية، وصاحب الحق باستطاعته أن يدافع عن حقوقه، ليس بالسلاح فقد ولكن بكل الإمكانات المتاحة".


معرض في خيمة


داخل إحدى خيم المعتصمين معرض للصور الفوتوجرافية، وكتابات على الجدران تعبر عن آراء سياسية. وفي هذا المكان الذي يعد منبرا لطرح الآراء السياسية، طرحت الوطن سؤالا: إلى ماذا تعزون افتعال رئيس الوزراء نوري المالكي للمشكلات واختلاقه للأزمات؟ وهل هي تصفية حسابات سياسية أم إنها تأتي استجابة لإملاءات خارجية تفرضها ظروف المنطقة؟

حسام العزاوي، عضو مجلس النواب السابق، القيادي في القائمة العراقية، رد مؤكدا أن "سياسة المالكي، خصوصاً بعد تسلمه المنصب لدورة ثانية، وبعد رحيل القوات الأميركية، أنه عمل جاهدا لإرضاء إيران، لأنها كانت وراء احتفاظه بالمنصب، وتشكيل التحالف الوطني الحالي الذي يقود الحكومة". وأضاف أن الإذعان للإرادة الإيرانية "تجسد برفض اتفاق أربيل، والتخلي عن مبدأ الشراكة في إدارة البلاد، والوقوف ضد أصحاب المشروع الوطني ممثلا بالقائمة العراقية وزعيمها إياد علاوي، على الرغم من حصوله على أعلى الأصوات في الانتخابات التشريعية السابقة". أما الناشط المدني في الأنبار، الأكاديمي حكمت عثمان، فاستبعد استقرار الأوضاع السياسية في العراق بوجود المالكي "الذي يعمل على إسقاط خصومه، وبدأ مع طارق الهاشمي ثم العيساوي، وهو أعلن بنفسه امتلاكه ملفات ضد الجميع، يطرحها في الوقت المناسب للإطاحة بالشركاء.. وعقلية من هذا النوع أبعد ما تكون عن صفات رجل الدولة. وبهيمنته على مجلس الوزراء ورفضه إنجاز نظامه الداخلي، برزت الرغبة في الاستبداد. ونتيجة بروز توجه معارض اندلعت الأزمات، ولن تصل إلى حلول إلا في حال تغيير المعادلة الحالية بالتخلي عن الاصطفاف الطائفي والذهاب نحو المشروع الوطني ليعبر عن طموحات العراقيين".

أداة القمع


عضو القائمة العراقية وليد المحمدي حمل الإدارة الأميركية مسؤولية التدخل الإيراني في الشأن العراقي، وقال: "بدعم واشنطن أحزابا موالية لطهران تسعى لتنفيذ سياستها في المنطقة، وخير دليل على ذلك الموقف العراقي تجاه القضية السورية، والتأييد المعلن من بغداد لبشار الأسد"، موضحا أن "معظم قادة الجيش العراقي الحالي ينتمون إلى أحزاب موالية لإيران، وبذلك أصبح الجيش بنظر المتظاهرين أداة لقمعهم، وبفعل قيامه بحملات اعتقال مستمرة تطال أبناء المحافظات الغربية حصل شرخ في علاقة الشعب العراقي بجيشه، ولا سيما بعد أحداث الحويجة التي أثبتت أن الجيش أصبح أداة للقمع بيد المالكي. نحن لا ننتظر منه موقفا حيادياً، لأن تأسيس الجيش الحالي استند إلى فكرة الدفاع عن الطائفة بمزاعم المظلومية".

آراء الشباب من العتصمين داخل الخيمة لم تبتعد عما قاله السياسيون، مشيرين إلى أن ممارسات رئيس الحكومة المالكي كانت أحد أسباب اندلاع التظاهرات، معربين عن قلقهم من مخاطر تكريس الانقسام الطائفي على وحدة المجتمع.


التحالف يخضع للمالكي


بعد إعلان الانتخابات التشريعية السابقة بفوز القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي، تم تشكيل التحالف الوطني من ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي ونظيره الوطني العراقي الذي يضم قوى شيعية، من أبرزها المجلس الأعلى الإسلامي في العراق والتيار الصدري، وحزب الفضيلة. وتشكيل التحالف تم بمباركة إيرانية، بحسب الكثير من الشخصيات السياسية ومنهم إياد علاوي وإسامة النجيفي وصالح المطلك، وتولى رئاسة التحالف إبراهيم الجعفري. ولدولة القانون 89 عضوا فيه، وله هيئة سياسية من سبعة أعضاء. ومنذ تشكله وحتى الآن لم يتخذ قرارا معارضا لسياسات المالكي، بل عمل جاهدا لدعمه وتأييده.

القيادي في القائمة العراقية، عصام العبيدي، قال لـ "الوطن" إن التحالف الذي يضم القوى الشيعية يخضع لإرادة المالكي، فضلا عن الدعم الإيراني. وفي الآونة الأخيرة، وبعد التقارب مع الكرد، استعاد حليفه القديم، عندما قدمت بغداد لأربيل الكثير من التنازلات، ومنها دفع مخصصات حرس الإقليم وبأثر رجعي يعود إلى عام 2007.. وهذا الموقف عزز قناعة دولة القانون وأتباعه بأن الأزمة الحالية في طريقها للانفراج، موضحا أن ما ورد في النقاط السبع التي أبرمت بين القوى الشيعية والكردية تضمن التعاون الأمني، الأمر الذي يعني إمكانية الاستعانة بالبشمركة لبسط الأمن في المناطق المنتفضة لكي يبعد المالكي عن نفسه مسؤولية التورط بقمع المتظاهرين.. مستدركا أن الكرد "هم الأعرف بسياسة المالكي، وليس من السهل أن يكونوا أدوات يستخدمها متى شاء".

في خيم المعتصمين توفرت وسائل اتصال منها الإنترنت، وباستطاعة الزائر أن يتحدث بشتى الأمور، وهناك من تطوع لخدمته، والأمر الوحيد المحظور هو التصوير إلا بعد الحصول على موافقات، ولا يسمح للإعلاميين باستثناء فضائيات معتمدة تتمتع بهذا الحق، وعندما يطرح استفسار يأتي الرد مع الاعتذار بأن الأمر يتعلق بأسباب أمنية.