فيما يتركز اهتمام أجهزة الإعلام العالمية بشكل أساس على التطورات السياسية والدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، خاصة بعد الاتصال الهاتفي بين الرئيسين أوباما وروحاني، واحتمالات التوصل إلى اتفاق حول البدء بمحادثات سلام في سورية، لا أحد يتحدث كثيرا عن أفغانستان، التي كانت تشكل على مدى سنوات أحد أهم عناوين الأخبار في الصحف العالمية. لكن هناك حدث هام قادم في أفغانستان خلال أشهر قليلة. فخلال ستة أشهر، يفترض أن تُجرى الانتخابات الرئاسية، التي لن يسمح للرئيس قرضاي بخوضها، وبذلك سيكون هناك رئيس جديد لهذا البلد لأول مرة منذ الغزو الدولي والتحول إلى الديموقراطية.

ورغم السنوات الطويلة التي قضتها القوات الدولية في محاربة الإرهاب في أفغانستان، إلا أنها لم تتمكن من القضاء عليه، وانطلق الجهاد العالمي من هذا البلد ومن باكستان لينشر الإرهاب في مناطق كثيرة من العالم. أفغانستان لم تتحول إلى بلد آمن، بل تحولت إلى مركز الإرهاب الدولي وتجارة الأفيون. الرئيس قرضاي كانت فترته فاشلة تماما، ووصل أفراد حكومته إلى مستويات قياسية في الفساد.

الرئيس قرضاي رفض توقيع الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة في الوقت الذي تتجه فيه أفغانستان إلى انتخابات هامة مع بداية انسحاب القوات الأميركية في بداية 2014. الجانب الأمني هام جدا عندما يتعلق الأمر بإجراء انتخابات في بلد ما تزال حركة طالبان تسيطر على أجزاء واسعة منه، والاشتباكات بين المتمردين والقوات الحكومية الأفغانية تعدّ أمرا روتينيا ويوميا. في ظل هذا الوضع الأمني المتدهور، ليس معروفا حجم المواطنين الأفغان الذين سيتمكنون من المشاركة في التصويت في الانتخابات القادمة.

قرضاي بدا واثقا عندما وعد الشعب الأفغاني بإجراء الانتخابات في موعدها، ولكن ما نوع الانتخابات التي يجب أن نتوقعها في أفغانستان؟ ولماذا قرر العالم فجأة أن يقلل اهتمامه بهذا البلد ويتركها وحدها؟

ربما يرى الرئيس حامد قرضاي، الذي يُعِد أخاه غير المعروف قيّوم قرضاي، للترشح للانتخابات القادمة، أن انصراف الاهتمام العالمي عن بلاده هو هدية من السماء، في غياب اهتمام المجتمع الدولي لمساعدته في الرقابة على الانتخابات ونزاهتها، من السهل على مؤيدي الرئيس الأفغاني إحداث التغييرات المطلوبة لضمان فوز شقيق الرئيس الحالي أو أحد المقربين منه على الأقل في الانتخابات القادمة.

وفي الوقت الذي كان يفترض فيه أن يأتي إلى نيويورك لحضور الدورة 68 للجمعية العامة للأمم المتحدة، ذهب الرئيس قرضاي إلى الصين في محاولة لكسب تأييد الصين لترشيح أخيه لرئاسة أفغانستان. ولكن لماذا الصين؟ حصلت الشركات الصينية على عدة عقود هامة وكبيرة في مجال الغاز والنفط ومناجم النحاس، كما أن الصين استثمرت مليارات الدولارات في مشاريع في أفغانستان، إضافة إلى السوق الجيدة الذي توفره أفغانستان للبضائع الصينية الرخيصة، لذلك فإن الانتخابات الرئاسية الأفغانية مهمة بالنسبة للصين، ولديهم مصلحة في معرفة من لديه حظوظ أعلى في الفوز بالرئاسة. وبالطبع فإن فوز شقيق الرئيس قرضاي ـ وهو شريك اقتصادي حاليا للصين ـ يعدّ الخيار الأفضل للشركات الصينية من نواح كثيرة.

إن النظر إلى المرشحين المحتملين للرئاسة في أفغانستان، يبعث على الإحباط للمجتمع الدولي وللشعب الأفغاني على حد سواء. المرشح المسجل الوحيد الذي لديه بعض المصداقية لدى الشعب والمجتمع الدولي هو الدكتور عبدالله عبدالله، زعيم المعارضة الذي كان منافسا قويا لحامد قرضاي في الانتخابات الرئاسية الماضية. معظم السياسيين الأفغان جمعوا في السنوات الأخيرة ثروات ضخمة، بفضل المساعدات الأميركية، وبفضل الفساد الذي يعدّ الأوسع انتشارا في العالم في أفغانستان. بالنسبة لقادة المجاهدين السابقين الذين جمعوا ثروات ضخمة، فإن طموحاتهم لا تفارقهم هذه الأيام. هؤلاء معظمهم لم يكملوا تعليمهم، وليس لديهم أي خبرة في مجال الإدارة، ومع ذلك، بسبب ثرواتهم ونفوذهم، يعتقد كل منهم أنه صالح لمنصب الرئاسة أكثر من أي مرشح آخر.

كصحفية ومراقبة مهتمة بالوضع في أفغانستان، صدمت عندما سمعت أسماء المرشحين للرئاسة في أفغانستان. لقد كانت رئاسة قرضاي واستمرارها كل هذا الوقت نوعا من المصادفة التي استغلها خير استغلال من خلال علاقته مع زلماي خليل زاد، الذي كان المبعوث الأميركي الخاص، ومن ثم السفير الأميركي في أفغانستان. الدعم الكبير الذي قدمه خليل زاد له لم يكن خافيا على أحد.

إن أفغانستان ما تزال بلدا فقيرا ومتخلفا لدرجة قد لا يتصورها البعض في القرن الـ21، لذلك فإن المال والعصابات الإجرامية تستطيع بسهولة أن تساعد أشخاصا مثل شقيق الرئيس قرضاي أو المرشحين الفاسدين الآخرين على تحقيق هدفهم. لسوء الحظ، فإننا قد نشهد خططا يمكن أن تصل إلى محاولات اغتيال أشخاص نافذين، وتعطيل الانتخابات خلال الأشهر القليلة القادمة. الشعب الأفغاني ربما يأمل في حدوث معجزة تصنع سياسيين حقيقيين نظيفي اليد، ويمكن أن يكونوا رؤساء صالحين لأفغانستان في المستقبل القريب.