لأول مرة منذ الثورة في إيران، يشعر الشعب الإيراني بأنه معني بشكل أو بآخر في المفاوضات الدائرة حول الملف النووي الإيراني، لأن الحكومة أتاحت للشارع الإيراني الاطلاع بشكل مباشر على تطورات المباحثات بدلا من إبقاء ذلك سرا كما كان يحدث من قبل. هذا التوجه بدأ مع تولي محمد جواد ظريف حقيبة وزارة الخارجية، حيث يقوم ظريف بكتابة آخر الأحداث على حسابه في تويتر وفيسبوك. رئيس الجمهورية الجديد حسن روحاني، يفعل الشيء نفسه تقريبا. ظريف يقوم بتحديث صفحته على فيسبوك مرة كل يومين على الأقل باللغة الفارسية، ويعطي تفاصيل لمتابعيه حول آخر التطورات السياسية. حساب ظريف على تويتر باللغة الإنجليزية وينشر عليه أيضا أهم الأحداث والرسائل التي يريد توصيلها إلى الصحافة الأجنبية.

هذا الانفتاح من حكومة روحاني يجعل الإيرانيين يتفاعلون بحماس مع المباحثات النووية الأخيرة في جنيف، وهم يؤيدون بشدة الفريق التفاوضي الإيراني لأن نجاحه يعني الكثير بالنسبة لهم.

التحديثات الأخيرة لفريق وزير الخارجية الإيراني التي يتحدث فيها عن تفاصيل محادثات جنيف، أدهشت الكثيرين وركزت أعينهم على المباحثات ودعائهم لنجاحها. يومان من المباحثات المكثفة بين إيران ودول مجموعة 5+1 كانت هي الأولى من نوعها منذ وصول روحاني إلى الحكم، ولم تكن مهمة للإيرانيين فقط، بل كانت كذلك للغرب أيضا، الدول الغربية تحتاج إلى رؤية أفعال من طرف إيران من أجل بناء الثقة بأن برنامجها النووي ليست له أغراض عسكرية وضمان أنه سلمي، وإيران بحاجة إلى رفع العقوبات لتستعيد ثقتها بالغرب. في أول أيام المباحثات، قالت الأطراف المشاركة إنه كان إيجابيا، ولذلك عاد ممثلا إيران والولايات المتحدة إلى الاجتماع مرة أخرى للحديث عن القضية النووية.

هذا الانفتاح على الشعب في إيران توسع ليصبح انفتاحا على الساحة الدولية أيضا. منذ فترة وجيزة فقط، لم يكن الإيرانيون يتخيلون أنهم سيسمعون خبرا يتحدث عن اتصال هاتفي بين رئيس إيران ورئيس الولايات المتحدة، أو عن اجتماع ثنائي يضم وزير الخارجية الإيرانية ووزير خارجية الولايات المتحدة فقط. لقد تغيرت الأمور فكثير منها كانت تبدو مستحيلة في السابق وأصبحت عادية جدا لنا في إيران، ولم يعد مستبعدا أن تعود العلاقات الدبلوماسية لتصبح عادية بين البلدين بعد عقود من الانقطاع.

لكن الأهم يبقى هو الحوار المباشر بين مسؤولي البلدين. المسألة بدأت مع تغريدة على تويتر ورسالة على فيسبوك ثم توسعت لتتطور إلى محادثات مباشرة بين المسؤولين الإيرانيين والأميركيين، والتي كانت مفيدة وبناءة حتى الآن، حتى الرسائل الموجهة عبر تويتر كان لها أثر إيجابي على الرأي العام بخصوص إيران. الرسالة البسيطة من الرئيس الإيراني على مواقع التواصل الاجتماعي التي لم يستبعد فيها حدوث الهولوكوست (محرقة اليهود) وفرت على إيران مواقف مثيرة للجدل ودعاية مسيئة تتعرض لها حتى الآن بإدارة وتوجيه من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. هذا الانفتاح الإيراني في مواجهة التهجم والتهديدات الإسرائيلية تجعل طهران ذات اليد الطولى في مباحثات جنيف وحتى أمام الشعب الإيراني الذي انتخب الحكومة لتعمل على تخفيف وإزالة العقوبات الغربية ضده.

عندما لا يكون هناك وسيط، يكون التواصل أسهل، وعندما يجلس الدبلوماسيون الإيرانيون ببساطة مع المسؤولين الأميركيين فإن ذلك سيكون له تأثير كبير. وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، صرح عن أمور مثيرة للاهتمام في مؤتمر صحفي إثر عودته من اجتماع ضمه مع وزير الخارجية الأميركي عن أمور مثيرة للاهتمام. ظريف قال على التلفزيون الإيراني، إن كيري طالبه خلال اجتماعه معه لمدة ثلاثين دقيقة بأن تظهر إيران مزيدا من الانفتاح بخصوص برنامجها النووي والسماح للمفتشين الدوليين بزيارة موقع فوردو. المثير للاهتمام أن كيري لم يكن يعرف أن الموقع مفتوح للمفتشين وأنهم يزورونه بشكل منتظم. ظريف أضاف في حديثه مع التلفزيون الإيراني: "قلت له إن الموقع ليس فقط مفتوحا للمفتشين الدوليين، لكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية وضعت أيضا كاميرات مراقبة خاصة بها لتصور على مدى 24 ساعة يوميا".

لقد تسببت 34 سنة من العداء بين البلدين وانقطاع العلاقات بينهما بتراكم مشاكل كثيرة لا يمكن بالطبع حلها بين يوم وليلة، أو حتى خلال بضعة أشهر. إذا بقيت هذه القناة المباشرة للتواصل مفتوحة بين القيادتين فإن مستقبل العلاقات بين البلدين سيكون جيدا بالتأكيد، وهذا يعني بالنسبة للشعب الإيراني أنهم سيتمكنون من الحياة بشكل أكثر سهولة وبساطة بعيدا عن العقوبات والحصار المفروض على بلدهم منذ سنوات طويلة.

مباحثات جنيف يمكن اعتبارها ناجحة حتى لو كانت تفاصيل ما دار فيها لا تزال سرية حتى الآن، استمرار المحادثات حتى الوصول إلى حل ومساعدة الحكومة الإيرانية الجدية على الاستمرار في نهجها المنفتح والمعتدل هو استثمار مهم لمستقبل بلد يقف على حافة التطرف. آية الله خامنئي، كبير في السن ولا أحد يعيش إلى الأبد، وفي حال عدم وجود قائد بديل يحل محله بشكل فوري، يمكن أن يستغل الحرس الثوري، الذي لا يشعر بالارتياح إزاء التطورات الأخيرة، الوضع ويستولي على السلطة بشكل مباشر. خامنئي يقود إيران في فترة تاريخية، وهو يعي على ما يبدو أهمية الدور الذي يلعبه، ويمكن للإيرانيين أن يشعروا بالتفاؤل والأمل بمستقبل أفضل لأبنائهم.