اعتاد الناس في إيران سماع ما هو جيد لهم وما هو سيئ لهم، ما يجب أن يلبسوه، وما يجب أن يأكلوه، وغير ذلك من الأمور التي تتدخل في تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين الإيرانيين، حتى في عدد الأطفال المثالي للعائلة الإيرانية. عندما نجحت الثورة، منذ 34 عاما، كان عدد سكان إيران نحو 30 مليونا. اليوم، يبلغ عدد السكان أكثر من 75 مليونا، وآية الله خامنئي يعتقد أن البلد لديه القدرة على استيعاب نحو 150 مليونا. واستنادا إلى تقدير آية الله خامنئي، فإن الخطة السابقة لتنظيم السكان تم إيقاف العمل بها من الآن فصاعدا، ولن تكون هناك دراسات علمية مستقبلية تهدف لمنع الحمل. خامنئي يريد كل عائلة أن يكون لديها على الأقل 3 أطفال.

أصحبت إيران الآن الدولة الثانية بعد الصين التي تتدخل في حياة الشعب، وتقول لهم ما هو جيد لهم لاتباعه وما هو سيئ لاجتنابه. هناك دول أخرى بالطبع تسعى لزيادة عدد سكانها وتشجع مواطنيها على الإنجاب من خلال منح الأم مثلا إجازة أمومة طويلة بعد الولادة وتسهيلات مالية أخرى، لكن هذه الدول لا تعطي هذا التوجه صبغة دينية تجعلها شبه مفروضة على الناس.

لقد فوجئ كثير من الإيرانيين عندما سمعوا أوامر المرشد الأعلى للثورة آية الله خامنئي بوقف العمل بتعليمات تنظيم الأسرة القديمة، التي دفعت عيادات الأسرة والمؤسسات الاستشارية في مجال الأسرة لوقف منح أي مساعدة للنساء اللاتي يرغبن في منع الحمل. مواقع الانترنت الإيرانية مليئة بالنكات حول هذه الأوامر الجديدة، التي تتعلق بأكثر الأمور خصوصية للأسرة. الناس يتساءلون ساخرين إذا كان آية الله خامنئي يريدهم أيضا أن يموتوا في عمر مبكر أو أنه يعتقد أنهم يتنفسون كميات مبالغ بها من الهواء وعليهم أن يرتدوا أقنعة لتنظيم الأمر!

لقد أثار هذا الأمر جدالا آخر في المجتمع، وهو الصعوبات التي يواجهها الإيرانيون لتأمين لقمة العيش لعائلاتهم؛ بسبب الظروف الاقتصادية القاسية. لسوء الحظ فإن الظروف الاقتصادية الصعبة تدفع الإيرانيين بشكل منطقي لإنجاب عدد أقل من الأطفال؛ ليتمكنوا من تربيتهم بشكل أفضل. كما يتساءل الإيرانيون اليوم أكثر من أي يوم مضى عن جدوى المعاناة التي عاشوها على مدى سنوات طويلة بسبب الملف النووي، وعما إذا كان الحل المنتظر للقضية النووية يستحق كل التضحيات التي قدمها الإيرانيون في هذا المجال.

إن إيران دولة غنية تمتلك موارد طبيعية ضخمة، لكن العقوبات ونقص الاستثمارات قللت من الاستفادة من مواردها إلى حد كبير، مقارنة بما تنتجه دول الجوار مثل السعودية وقطر. حتى المراقبين الأكثر تفاؤلا يتوقعون أن يستغرق الأمر سنوات طويلة بعد الانفتاح على الغرب قبل أن تستطيع إيران الاستفادة من مواردها بشكل جيد من خلال دخول شركات كبيرة على خط الاستثمار في مجال النفط والغاز الإيراني. لقد كان الضرر الذي أصاب قطاع الطاقة الإيراني بسبب العقوبات الغربية كبيرا، وسيحتاج لكثير من الجهد والعمل والانفتاح ليعود إلى الوقوف على قدميه.

إن الطريقة التي يتعامل بها النظام الإيراني مع الشعب من خلال إعطائهم توجيهات صارمة حتى في أكثر الأمور خصوصية، تضع عقبات أمام تحقيق تناغم وانسجام حقيقيين بين عامة الشعب وبين الطبقة الحاكمة. هناك حرب بلا نهاية ومواجهة بين الشعب والنظام منذ بداية الثورة، وهذا دفع كثيرا من الإيرانيين إلى مغادرة بلادهم، وطلب اللجوء في كثير من الدول الغربية.

ربما بدأ المجتمع الدولي يتقبل النظام الإيراني بعد 34 عاما من قيامه بعد الثورة في 1979، وذلك بشرط توقف النظام الإيراني عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، خاصة الدول الإقليمية، وبشرط التوصل إلى تفاهم وحل للملف الإيراني، الذي يثير قلق المجتمع الدولي منذ سنوات طويلة. هذا الانفتاح على الغرب أوجد فسحة من الأمل لدى الإيرانيين بأن حكومتهم ربما تحد أيضا من تدخلها في الحياة الخاصة للمواطنين، وتعطيهم مزيدا من الحريات التي يطالبون بها.

ورغم أن المتشددين في إيران يقفون عقبة أمام رغبة الحكومة في إلغاء شعار “الموت لأميركا” بهدف تلطيف الأجواء مع الولايات المتحدة، أستطيع القول إن غالبية الإيرانيين يحلمون بزيارة أميركا مرة على الأقل في حياتهم. جميع الإيرانيين الذين جاؤوا إلى الولايات المتحدة بعد الثورة، حتى الطلاب الإيرانيين وأعضاء البعثة الدبلوماسية الإيرانية في الأمم المتحدة، يحرصون أن يحمل أبناؤهم الذين يولدون في الولايات المتحدة جوازات سفر أميركية.

إن على الإدارة الإيرانية الجديدة أن تعمل على الانفتاح على شعبها في الداخل بقدر انفتاحها على الغرب، بل وبشكل أكبر وأسرع. فإذا بقيت الفجوة بين النظام والشعب قائمة لن تتمكن أي إدارة إيرانية تحقيق طموحات الشعب، واستغلال مواردها بشكل كامل.