لقد كانت أخبارا مفرحة جدا لكل مشتغل في حقل القضاء والمحاماة تلك التي سمعناها يوم الجمعة الماضي بشأن إصدار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مراسيم ملكية قضت بالموافقة على أنظمة المرافعات الشرعية، والإجراءات الجزائية، والمرافعات أمام ديوان المظالم. وقد ورد في الخبر وفقا لما أوردته وسائل الإعلام أن أبرز الملامح التي اشتملت عليها الأنظمة الثلاثة التي وافق عليها المقام السامي، جاءت في أنها رسخت ما أقره نظاما القضاء وديوان المظالم من الاستناد إلى الجانب الموضوعي للقضاء دون الجانب الشخصي، فالدعاوى تنظر فيها دوائر قضائية متخصصة في المحكمة سواء شكلت من قاض واحد أو أكثر وبصرف النظر عن شخصية القاضي الذي يفصل فيها.

وقد أرست هذه الأنظمة مبدأ التخصص النوعي للمحاكم العامة والجزائية ومحاكم الأحوال الشخصية والعمالية والمحاكم التجارية، وبينت إجراءات التقاضي أمامها لتباشر أعمالها وفقاً لما تضمنته آلية العمل التنفيذية لنظامي القضاء وديوان المظالم، وهو ما سينعكس إيجاباً على سرعة البت في الدعاوى، ورسمت الأنظمة القضائية طريق استئناف الأحكام القضائية وفصلت إجراءاته باعتبار أن مرحلة الاستئناف ذات صيغة جديدة في الترافع الإشرافي وتتطلب نظر الدعوى مرة أخرى أمام محاكم الاستئناف بحضور الخصوم تحرياً للعدالة والتحقق بقدر الإمكان من صحة الحكم القضائي وتوافقه مع أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة مع إيجاد ضمانات أكبر للمتقاضين بإتاحة الفرصة لهم لعرض ما لديهم في شأن الدعوى والترافع مرة أخرى أمام قضاة آخرين.

وأشارت وكالة الأنباء السعودية، في تقرير بثته بهذه المناسبة، إلى أن صدور هذه الأنظمة الثلاثة يأتي استمراراً لنهج هذه البلاد منذ تأسيسها في ترسيخ دعائم الحق والعدل، والأخذ بما يحفظ الحقوق ويصونها وتمكين كل من وقعت عليه مظلمة من المطالبة بحقه أمام قضاء يتوافر فيه الاستقلال والضمانات الكافية لإيصال الحق إلى مستحقه بعدالة ناجزة، حيث تضمنت هذه الأنظمة في أحكامها نقلة نوعية، سيكون لها أثرها على أداء أجهزة القضاء وتيسير إجراءات التقاضي، وخطوة من خطوات مسيرة تطوير القضاء الذي يوليه خادم الحرمين الشريفين رعايته واهتمامه، وهو ما يبرز مدى حرصه في إيجاد معالجة شمولية تحقق الغايات التي يأملها مقامه، حيث سبق أن صدرت العديد من الأنظمة المتخصصة التي تتكامل مع هذه الأنظمة الثلاثة، ومنها: أنظمة القضاء وديوان المظالم والتنفيذ والتحكيم. (انتهى الاقتباس)

هذه المنظومة الجديدة من الأنظمة في ذاتها تأخذنا إلى الأمام من حيث المطلوب والمأمول لتطوير المنظومة العدلية في المملكة، ولكن علينا ألا نعول كثيرا على النصوص في ذاتها، إذ لا بد من السعي الدؤوب لنقل هذه النصوص النظامية القوية والرائعة ووضعها موضع التنفيذ، وأهم هذه الخطوات في نظري هي دعم المنظومة العدلية بالموارد البشرية اللازمة التي ستمكنها من وضع هذه الأنظمة موضع التنفيذ وفقا لإطار زمني معقول ومقبول، ولها فإنني أتمنى أن تكون هذه الأنظمة الجديدة التي أقرها خادم الحرمين ـ حفظه الله ـ لبنة أولى لبناء جسور التواصل والتلاقح الفكري ما بين القانونيين والشرعيين، وقد يكون من المناسب الآن النظر في تأهيل القانونيين من خلال دبلوم شرعي عال يكفل لهم التوافق العلمي والفقهي المأمول للقيام بمهام القضاة في مجال المحاكم المتخصصة لتغطية النقص الحادث حاليا بسبب الاعتماد في هذا الباب على خريجي الشريعة دون خريجي القانون.

إن تأهيل القانونيين وإشراكهم في الممارسة القضائية سيكون له أثره من حيث الإسراع في توفير الموارد البشرية اللازمة وكذلك بناء المزيد من التواصل والتوافق بين القانونيين والشرعيين في مجال التقاضي. وعلى ذات الصعيد، من المهم جدا أيضا أن تكون هنالك دورات تدريبية وتأهيلية مكثفة للقضاة الحاليين لاستعياب الفوارق التطبيقية والعملية والإجرائية الناتجة عن اعتماد هذه الأنظمة الجديدة، لاسيما على مستوى القضاء لدرجات الاستئناف والنقض وآليات التعامل معها.

من المهم جدا أن تأخذ هذه الأنظمة الجديدة آليات التعامل مع اللجان شبه القضائية المنتشرة عبر السلطة التنفيذية بعيدا عن السلطة القضائية بكل ما لتلك اللجان من إيجابيات وسلبيات ومثالب، كانت معلومة لدى المشرع سلفا ولكنه اضطر إليها بحثا عن التخصص والتعجيل بنظر القضايا، ولهذا مادام التوجه هو إعادة توجيه دفة المنظومة العدلية نحو الاتجاه الصحيح فإنه قد يكون من المناسب البدء في خطوات وضع التصور الاستراتيجي لكيفية ضم هذه اللجان تحت جناح السلطة القضائية بما ينفي عنها سلبياتها ويكسب القضاء مميزاتها.

إنها خطوة رائعة ومميزة من حيث التشريع أرجو أن تقابلها خطوات رائعة ومميزة من حيث التطبيق.