دعاني صديق بريطاني لزواج ابنته يوم الجمعة الماضي، وعلى عكس المعتاد لدينا فإن الدعوة كانت على طعام الغداء، وكان الحضور قريبا من المئة شخص، كانت الدعوة محفلا عالميا لاجتماع كل الأجناس والأعراق في مكان واحد، فوالد العروس بريطاني "أبيض" ووالدة العروس سنغافورية، والعريس باكستاني، والذين قابلتهم من الحضور كانوا من أيرلندا وأميركا وبريطانيا والسنغال وجنوب أفريقيا والفلبين والسعودية وباكستان وسنغافورة وبنجلاديش ومصر.

حضرت الدعوة قبل الآخرين، وكان غرضي أن أشاهد ثقافات الناس عند دخول مثل هذه التجمعات على تباين جنسياتهم وكيف يتوزعون، فهي فرصة لا تتكرر كثيرا لدينا هنا، وبعد دقائق من حضوري بدأ الحضور في التوافد على الدعوة.

كل واحد من الحاضرين كان يدخل وفوق رأسه فكرتان إحداهما تحمل ثقافته والأخرى تحمل نقطة الالتقاء بين ثقافته الخاصة وبين ثقافة الداعي وبين ثقافة المملكة. كان والد العروس يتردد مجيئا وذهابا بين القادمين الجدد وبين من حضر وجلس، يقول: "تفضلوا جهاز القهوة أمامكم هل تحبون شيئا من الكابتشينو؟!! على أي حال القهوة العربية ستأتي بعد قليل".

كان البعض يدخل ويستقبله والد العروس فيبدآن بالسلام باليد، ثم ما يلبث الضيف أن يملي على المضيف طريقته في المباركة، بعضهم قبله وبعضهم حضنه حتى كادت أضلعه تختلج في بعضها البعض، وبعضهم اكتفى بالمصافحة، والبعض بالتحية من بعيد والبحث على أقرب مقعد.

كثير من الحضور حضروا مرتدين الثوب السعودي ولكن بمفهومهم الخاص، الأيرلندي حضر بثوب عليه مسحة حجازية متقنة، ذهبت إليه وسألته، وكان توقعي في محله، إذ قال لي إنه درس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وإنه عمل في جدة مدة من الزمن! جاري في المجلس بريطاني من أصول هندية وأخواله من اليمن، كان مثل عدد من الحضور يرتدي ثوبا سعوديا دون غترة، ويرتدي حذاء رياضيا.

بقيت أراقب كيف سيتوزعون، هل سيبحثون عمن تماثل بشرته بشرتهم؟ هل سيتجمعون بحسب الجهات التي يعملون لديها؟ ما هو العنصر الأكثر جاذبية في الناس ليكوّنوا تجمعاتهم الصغيرة، وجدت أن أهل العريس احتلوا جزءا من القاعة في مقابلنا نحن المدعوون من قبل والد العروس، أما التجمعات هناك فقد كانت عشوائية وإن كان عنصر الانتماء للعمل ثم اللون هو الأكثر مشاهدة.

ذكرني هذا التجمع العالمي المصغر بأيام الدراسة خارج المملكة، حيث كنا نقوم ببعض الأنشطة من فترة لأخرى لكنها إن لم تكن سعودية بحتة فإنها كانت إسلامية في الغالب، تحمل طابع تجمعات الأقلية، وتلك الإسلامية منها كانت تنقسم في داخلها إلى مجموعات بحسب طبيعة الانتماء العرقي أو الجامعي.

لعله من قبيل الصدفة المحضة وحسن الطالع أنني حضرت هذا الفرح في ذات اليوم الذي شاهدت في مسائه وسما بعنوان: #مثلك_أنا، الذي يستحق ما لاقاه من قبول ومتابعة وانتشار وتفاعل، فنحن بحاجة لما، ومن، يخاطب بشكل مستمر قيمنا المستقرة في أعماقنا، لنراجع ما استقر داخلنا ويكون مرايا تعكس لنا حقيقة ذواتنا أمام أنفسنا. إننا نحتاج تلك المرايا كي نرى عيوبنا ونتعرف على ما نحتاجه كي نصبح أفضل.

يقول الدكتور خلدون الأحدب في كتابه "سوانح وتأملات في قيمة الزمن"، إن نقد الذات هو أول مراحل التطور، وهذا ما نراه في هذه الوسميات (إن صحت صيغة الجمع)، إنها تدخل مع الطريق السري المتجه لدواخلنا ليرينا من عيوبنا ومزايانا ما أخفاه عنا اشتغالنا بالمظهر دون الجوهر.

لا بد أن نتوقف عند مفهوم العنصرية، المتفشي لدينا بكثرة وقسوة، ومهما تنكرنا خلف قناع الابتسامة والتبسط، فإن تلك العنصرية تخترق مجتمعنا أفقيا ورأسيا فيما بيننا وبين بعضنا البعض وفيما بيننا وبين من نطلق عليهم لفظة "أجانب".

لست هنا بحاجة لسرد إحصائيات ولا جلب إثباتات على تفشي هذا الداء لدينا، فهو مشاهد معلوم وتكفي زيارة واحدة لـ"تويتر"، لنرى منها ونسمع أصناف وأنواع العنصرية المتفشية في البلد.

نصطبح ونمسي للأسف على مشاهد هذه العنصرية المتعالية كوننا سعوديين مقابل غير السعوديين، خصوصا من تلك البلدان التي يطلق عليها دول العالم الثالث، وهي منتشرة فيما بيننا مع خدمنا وسائقينا وموظفينا ومع البائع في المحل والنادل في المطعم، يقول لي بعضهم إنه لا يصبره عليها غير "ضعف حيلتهم ولقمة العيش التي جاؤوا من أجلها". هذه العنصرية التي حورت كلمات ذات معنى راق مثل "صديق" و"رفيق" لكلمات مقيتة عند من تطلق عليه لأنه يعرف سببها ومصدرها.

هذه العنصرية أيضا نجدها تتكرر فيما بيننا كسعوديين للأسف، كل يظن أن قبيلته ومنطقته هي الأكثر أصالة في هذه الأرض والأحق بمواطنتها من الآخرين.

إنها دعوة من القلب لوزارة التربية والتعليم أن تراجع موضوع العنصرية، بحيث ينشأ الجيل الجديد وهو أكثر ارتباطا بالوطن قبل انتماءاته الأخرى.