عندما يفكر المسؤول الحكومي في احتواء أي عمل اجتماعي فهو في الحقيقة يقوم بمحاولة لكبح أي جهد فكري وعملي يتحرك خارج إطار المنطق الرتيب الذي تعود الجميع عليه، ساعيا في ذلك إلى بقاء الحال على ما هو عليه، ونافيا بل محاربا حتمية التطور والتقدم والمضي قدما باتجاه الإصلاح والانفتاح، وهو جهد للأسف ينم عن قصور في فهم متغيرات الزمان ومتطلبات العصر وتأصيل لفكرة الجمود ودفن الرأس في الرمال.

من المخيف فعلا أن نقرأ تصريحا لرئيس الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع الدكتور رياض نجم يتحدث فيه عن توجه هيئته لفرض رقابة على المحتوى المرئي المنتج عبر مجتهدي ومبدعي الـ"يوتيوب"؛ وذلك عبر متابعة وإلزام الراغبين في الانخراط في النشاط الإعلامي عبرها بالحصول على تصاريح توضح الضوابط والشروط، مبررا ذلك بأنه احتواء الطاقات.

الرقابة على "اليوتيوب" وغيره من المواقع من أهم ما يميز الإنترنت السعودي وهو أمر ليس بجديد، فحجب المواقع والمقاطع أمر معروف وأصبح جزءا من الخصوصية الإعلامية السعودية ومحفزا لتوبة المحجوب والكف عن التغريد خارج السرب، ولكن المخيف في الأمر أن تقوم الهيئة وباقي المؤسسات الإعلامية الرسمية بالنظر لمنصة إعلامية شعبية باعتبارها قناة رسمية ينطبق خطابها ومنطقها على منطق المؤسسة الإعلامية التي تعمل ضمن حدود الدول والقوانين المعمول بها.

كيف يمكن أن يطلب من منتج برامج "يوتيوب" وهو الذي ينتج برامج اجتماعية "يوتيوبية" تستهدف جميع الدول أن يقوم بتقديم طلب تصريح والخضوع للأنظمة الإعلامية المطاطية التي تتسم بها العديد من قوانين العمل الإعلامي السعودي، وهو الذي استطاع أن يبدع عملا أثر في الملايين، كان نتاج تحرره من منطق النقد السائد المتجاوز للحدود الذي يكبله الخوف من نتائج إزعاج مسؤول أو نقد متنفذ أو إغضاب ممول أو رجل أعمال!

الحقيقة هي أن مبدعي "اليوتيوب" كانوا هم السبب الأول خلف انكشاف ضعف العمل التلفزيوني الرسمي وضحالة محتواه، وذلك بشهادة الجهات الرسمية ذاتها، فلولا تحرر مبدعي "اليوتيوب" من القيود التي يدعو لها الدكتور نجم اليوم لما كان لدينا "إيش اللي" و"التاسعة إلا ربع" و"لا يكثر"، ولما كان لدينا نجوم التأثير الاجتماعي الحقيقي الذي يتكون من شباب يشبهون المرحلة التي نعيش، لا منظرين ومسؤولين يفكرون بمنطق ما قبل الألفية.