لكون الثقافة لا تنال الحظ الوافر من الاهتمام على المستوى العربي، فإن تقرير التنمية الثقافية العربية الذي يصدر سنويا عن مؤسسة الفكر العربي يأتي ليسد فراغا في هذا المجال، وينبه إلى كثير من الأمور الواجب ملاحظتها للعمل على تفادي بعض السلبيات والمضي إلى تكريس الإيجابيات لعل شيئا ينصلح وتخف حدة الهم الثقافي العربي.

في تقريرها السادس للتنمية الثقافية الذي أطلق منذ ثلاثة أيام ركزت المؤسسة على أكثر من نقطة حيوية في العصر الحديث، فجاء فيه أن البحوث العلمية غير قابلة للتطبيق وأن المنتج العلمي ضعيف، ولأن المسألة لا تخضع للمجاملات بقدر ما تخضع للمعلومات والأرقام، فالتقرير ينبه بذلك على أن التطور والرقي والتنمية لا تتحقق من غير بحث علمي متميز قابل للتطبيق، أما أن تتم البحوث لمجرد أن تسمى بحوثا وتكون بعيدة عن الواقع فإن هذا سوف يكرس الحالة السلبية التي لا بد من الخروج منها لاستدراك ما فات في البحث العلمي.

إلى ذلك، فأن يشير التقرير إلى أن الخطاب الديني أغفل قدسية العمل، فهو بذلك يطالب بطريقة غير مباشرة بتغيير الخطاب الديني ويدعوه للتخلي عن الموضوعات النمطية التي حفظها الناس، ويتوجه إلى موضوعات مواكبة للزمن الحديث، بحيث يتمكن من محاكاة واقع الإنسان العربي، وتقريبه من منطقة المثاليات التي يطمح أي مجتمع بالوصول إليها.

وعندما يقول التقرير إن هناك ضرورة ملحة لتغيير أنماط التفكير فالأمة العربية تعاني من تخمة علمية وليست معرفية، فالفكرة هنا تحتاج لترسيخها لدى الجيل الجديد، فالجيل الذي يكبر من هم في عمر الشباب ربما أغلبه ألف القوالب التي يعيش تفاصيل حياته من خلالها، مما يعني أن التغيير سيكون صعبا على الكثير من المحسوبين على الطبقة العلمية أو المعرفية.

ولعل الأكثر أهمية في تقرير التنمية الثقافية هو توضيحه أن الواقع العربي يمر بكثير من الإحباطات، وفي المقابل فإن الإشراقات قليلة في فضاءات المعرفة العربية وكذلك الثقافة.

تقارير التنمية الثقافية العربية السابقة والتقرير الحالي، بالإضافة إلى مؤتمرات الفكر العربي تضع النقاط على الحروف أمام النخب وأمام أصحاب القرار على المستوى العربي، وهذا يقود بدوره إلى أن صانع القرار يفترض به أن يتفاعل مع مثل هذه المبادرات التي تطرحها المؤسسات المعرفية مستعينة بالخبراء ضمن محاولات جادة للنهوض بالواقع العربي في مختلف المجالات، لعل المقبل من الأيام يكون أفضل على امتداد مساحة الوطن الكبير.