لا أتصور أن مسألة التقدير والاحترام يجب أن تكون مطلقة، يتقول بها كل من هب ودب بداعي الوعي والعصرنة والتفهم والمثالية، هذا في رأيي باب يتغاضى البعض عن إغلاقه، ربما لجهلهم في إدراك ما وراءه، فتبني مثل تلك الأطروحات في الواقع ما هو إلا انزلاق إلى الإخلال بمنظومة الوعي العلمي، ومغالطة مشينة لإثباتات التجارب الإنسانية المتتالية، وأكثر ما يزعجني يتمثل في هرولة البعض إلى محاولة إظهار أمر ما فيه كثير من المغالطات المنطقية للآخر على حساب تقدير ذاته، ومحاولة تضليل تقدير الآخر لذاته أيضا، بفجاجة أحيانا وبسذاجة في أحايين أخرى، وأن يحاول البعض إظهار نوع ما من الاحترام والتقدير لمواقف بعض المتطرفين والمجانبين للصواب جملة وتفصيلا، فهذا في تصوري قبح وفلسفة غير متصالحة مع المنطق أو العقل أو فضيلة التعايش الاجتماعي.

لقد شهدت فترات كثيرة ماضية على مستوى العالم الكثير من الصراعات، والكثير من الحوادث في أنحاء مختلفة من العالم ألقت بظلالها على المسرح العالمي العام، واختلفنا كثيرا على تقدير عواقبها وتأثيراتها، لكن المزعج فعلا أن يتقدم البعض بالقول باحترام وتقدير مواقف أصحابها، هكذا من باب المثالية الزائدة ربما، أو من باب ادعاء ما ليس فيه ربما أيضا. أدهشني أن يظهر من يجادل ويعلن احترامه لموقف الموقوف أمنيا "وليد السناني"، من باب أنه يحترم رأي الآخر أيضا وإيمانه بقضيته، وتمسكه بقوة بمواقفه، لكنه لا يوافقه على آرائه!! ويحترم مواقف من سبقه تاريخيا من المغالين أو الذين تسببوا في إراقة الدماء على ظهر البسيطة، كهتلر وموسيليني وغيرهم!!

شخصيا لا يمكنني مهما كانت الأسباب، أن أوافق على مواقف مترهلة كهذه، وسأصف كل ما فيها بالتعالي على الحقائق، إذ ما معنى أن أحاول مساندة رأي متطرف يتناقض حتى مع أبسط الحقوق الإنسانية، وكأني بذلك أؤيد ما ذهب إليه الذي أطلقه، إن مثل ذلك لا يمثل سوى تضخم الأنا وعنجهيتها؛ لأن ما يتبعها هو تضليل مجتمع بأكمله، وأرى أن من يسعون إليها يفتقدون في الغالب إلى فهم معنى تقدير الذات، فـ"تقدير الذات يعنى به مقدار الصورة التي ينظر فيها الإنسان إلى نفسه، هل هي عالية أم منخفضة، وتقدير الذات مهم جدا من حيث إنه البوابة لكل أنواع النجاح الأخرى المنشودة، فمهما تعلم الشخص طرق النجاح وتطوير الذات، فإذا كان تقديره لذاته وتقييمه لها ضعيفا، فلن ينجح في الأخذ بأي من تلك الطرق للنجاح؛ لأنه يرى نفسه غير قادر وغير أهل وغير مستحق لذلك النجاح. وتقدير الذات لا يولد مع الإنسان، بل هو مكتسب من تجاربه في الحياة وطريقة رد فعله تجاه التحديات والمشكلات في حياته، وسن الطفولة هام جدا؛ لأنه يشكل نظرة الطفل لنفسه، فوجب التعامل مع الأطفال بكل الحب والتشجيع، وتكليفهم بمهمات يستطيعون إنجازها، فتكسبهم تقديرا وثقة في أنفسهم، وكذلك مع المراهقين، وهناك علامات تظهر على الشخص ذو التقدير المنخفض للذات، منها الانطوائية، الخوف من التحدث على الملأ، إتعاب النفس في إرضاء الآخرين لتجنب سماع النقد منهم، بل إن العنف والعدوانية وعدم تقبل النقد هي صور من ضعف تقدير الذات؛ لأنها عملية هروب من مواجهة مشكلات النفس، ولا يجب الخلط بين تقدير الذات والثقة بالنفس، فإن الثقة بالنفس هي نتيجة تقدير الذات، وبالتالي من لا يملك تقديرا لذاته فإنه يفتقد الثقة بالنفس كذلك" موسوعة ويكيبيديا.

من وجه نظري أتفهم أن يقع الإنسان فريسة للأنا وتضخمها، لكنني لن أوافقه على طرحه المتطرف أو غير العقلاني، مثل الذي تحدثت عنه بالأعلى؛ لأن مثل ذلك من شأنه تصوير موقفي على أنه تقبل لما تم طرحه من آراء وأطروحات شاذة، ستنعكس فيما بعد على مواقفي الشخصية تجاه مجتمع، لا أتصور حقيقة أن التعاطف مع فكرة احترام الرأي الشاذ المتطرف حق مشروع؛ لأنني وقتها سأكون شريكا في البؤس الذي سينتج عنه لاحقا، وليس لدي استعداد أن أتقبل أي تقدير لمواقف أولئك الذين يحملون أفكارا إقصائية متطرفة، لا تقيم وزنا للإنسان وإنسانيته وآدميته وكرامته، وسأرفض كل ما من شأنه عرقلة التواصل الإنساني أيا كان مطلقه، وسأرفض كل ما من شأنه تقويض الوعي والفكر والثقافة الخيرة..

هذا رأيي وأتحمل مسؤوليته أيا كانت؛ لأنني مقتنع أن الإنسانية ومستقبلها لن تستقيم مع الرأي المتطرف، وإن تم تجميله تحت أية ذرائع أو مسميات.