استقبل العراقيون عيد الأضحى أول من أمس بتفجير طاول مسجدا بكركوك حيث كان الناس يؤدون صلاة العيد، فتحولت لحظة الفرح إلى مأساة ومجالس عزاء لأكثر من 12 شخصا فيما أصيب 26 آخرون بجروح. فالإرهاب لم يمنح العراقيين ساعة يستريحون فيها من الموت المتنقل ويستقبلون فيها عيدهم بالبهجة والسرور.

والعراقيون خصوصا سكان العاصمة بغداد، اعتادوا منذ سنوات على استقبال الأعياد بمشاعر تختلف عن مشاعر بقية الشعوب الإسلامية. فهواجس الخوف من حصول انفجارات مفخخة وعبوات ناسفة، تكاد ترتسم في أذهان الكثيرين منهم من ذوي الدخل المحدود، على عكس آخرين يتوجهون إلى إقليم كردستان أو دول الجوار لقضاء عطلة العيد.

وعلى الرغم من توقعات الكثيرين بأن أعمال العنف قد تحصل حتى في المناسبات، تحرص الأسر البغدادية على القيام باستعداداتها للاحتفاء بالعيد، ويتجسد ذلك بصنع الحلوى المخصصة لهذا الغرض، والتوجه إلى الأسواق لاقتناء الملابس الجديدة للأطفال لمنحهم أيام فرح في ظل أوضاع أمنية لا تبعث على الاطمئنان.

زيارة المقابر

في صباح اليوم الأول من العيد تشهد المقابر الواقعة في أطراف العاصمة بغداد توافد الآلاف من الأسر لزيارة الموتى، والمنظر الغريب انتشار الأطفال بملابسهم الملونة بين القبور فيما تتوجه النساء إلى قبر الزوج أو الابن أو الشقيق لذرف الدموع، والتعبير عن حزن ثقيل بفقدان الأحبة، وبعد الانتهاء من هذا الفاصل يتوجه الجميع إلى منازلهم، وتقليد زيارة المقابر لم يكن معروفا قبل عشرات السنين.

وفي هذا السياق، تقول الأكاديمية ابتسام محمود: "مخلفات الحروب وارتفاع وتيرة العنف تركت آثارها السلبية على الواقع الاجتماعي العراقي فبوجود ملايين الأرامل والأيتام لم تعد هناك فرصة للفرح في العيد فغابت الكثير من الطقوس وتناساها الناس بسبب ما مر عليهم من ظلم وقهر، وفرحة العيد أصبحت خجولة مقارنة بسنوات سابقة"، مشيرة إلى دخول التكنولوجيا في تبادل التهاني و"أصبحت الرسائل المتبادلة عن طريق الهاتف النقال بديلا عن الزيارات لضيق الوقت أو للانشغالات طارئة أو نتيجة صعوبة الوصول إلى الأحياء بسبب الزحام الشديد وانتشار السيطرات".

أطفال يفضلون لعبة السلاح

سابقا كانت فرحة الأطفال في العيد تتلخص بالتوجه إلى ساحات صغيرة داخل الأحياء للتمتع بركوب المرجوحة ودواليب الهواء وكذلك عربات تجرها خيول وغيرهم يتجه إلى دور السينما المنتشرة في أحياء متفرقة من العاصمة تعرض أفلاما عربية وأجنبية، إلا أن الأطفال تخلوا عن تلك الألعاب وفضلوا استخدام ألعاب الأسلحة النارية، وكأنهم يريدون أن يعطوا صورة أخرى للعنف في بلدهم من خلال ألعابهم.

الناشطة المدنية بشرى يوسف تقول: "لجوء الأطفال إلى ألعاب السلاح انعكاس آخر لما يتعرضون له من ضغوطات من حجم تداول أخبار العنف عبر وسائل الإعلام المحلية، فخلف نزوعا لدى الصغار نحو ألعاب السلاح، وعزز هذا التوجه غياب الرقابة، ومنع استيراد هذه الأنواع من الألعاب"، مشيرة إلى أن المشافي في العاصمة بغداد "تستقبل خلال أيام الأعياد عشرات الإصابات برصاص ألعاب الأسلحة النارية تتركز في العيون".

رعاية الأيتام

أعداد الأيتام في العراق وطبقا لبيانات رسمية تقدر بالملايين، وهي أكثر من أعداد الأرامل، ولمناسبة حلول العيد تجدد الدعوات لرعايتهم. مدير "البيت العراقي الآمن للأيتام" هشام الذهبي طرح تساؤلا: هل الدولة قادرة على تأمين حياة كريمة لهؤلاء الأيتام أم أنها عاجزة عن ذلك؟ وقبل الإجابة على السؤال يقول: "أيتامنا مشردون وكثير منهم على قارعة الطريق لأنهم لا يملكون سكنا ومنهم جياع وعرايا ومنهم من تسرب من المدرسة ليعيل عائلته بعد فقد الأب، أريد أن أضع النقاط على الحروف وبكل صراحة دون رتوش، وهذا ما نحتاجه خصوصا أن القضية تتعلق بملايين من الأطفال الأيتام الذين فقدوا ذويهم وحقوقهم.. على مؤسسات الدولة أن لا تكابر وتضع الأيتام فوق كل الاعتبارات وتعترف بتقصيرها وعجزها عن تلبية احتياجاتهم وتطلب المساعدة من الجميع إن كانوا منظمات مجتمع مدني أو تجارا أو مؤسسات الدولة الأخرى، وهذا الشيء يسهم في احتواء الأزمة".

وأشار إلى أن أيام الأعياد تجدد أحزان اليتامى: "الأعياد تجدد أحزان أيتامنا الذين خنقتهم العبرة، والدولة ملزمة برعاية هذه الشريحة وتقديم أفضل الخدمات لهم وسد احتياجاتهم وأن تحفظ لهم كرامتهم لكن الإهمال واضح ومتعمد لأن مؤسسات الدولة تتقصد المضي بنفس المنهج دون التفكير بخطط آنية ومستقبلية من شأنها النهوض بواقع هؤلاء الأيتام أو إعداد برامج تهدف إلى زيادة الوعي لدى أفراد المجتمع والتي من خلالها يستشعر المواطن حجم المشكلة ودورها في حلها".

بأي حال عدت يا عيد

ما قاله الشاعر أبوالطيب المتنبي عن حاله في العيد، يردده الكثير من العراقيين فليس في أفق أيامهم المقبلة ما يشير إلى إمكانية استعادة استقرار السنوات السابقة، ولذلك يفضل أغلبهم المكوث في المنازل وتناول "الكليجة" من قبل أفراد الأسرة الواحدة، ومتابعة برامج الفضائيات، ووفرت لهم الهواتف النقالة إمكانية تبادل التهاني، والتمنيات بأن تمر أيام العيد بسلام خالية من حوادث التفجير، وأن تكون الإجراءات الأمنية غير مشددة إلى الحد الذي يجبر الأسر على رفض مغامرة الخروج لمواجهة زحام شديد، والدخول في طابور طويل من المركبات لعبور سيطرة أمنية علقت الأعلام والزهور الصناعية كتعبير عن تقديم التهاني لأهالي بغداد في عيد الأضحى.

حلوى العيد

قبل يوم أو أكثر من حلول العيد، تجمع ربة المنزل الفتيات من بناتها وزوجات الأبناء لإعداد "الكليجة " أو المعمول، ويبدأ العمل عادة بتحضير كمية كبيرة من الطحين تضاف إليها المطيبات والسمن، وبعد الانتهاء من العجن، تقسم إلى أجزاء صغيرة تحشى بالتمر وبعضها بالجوز والسكر والسمسم، ثم توضع في أوان وترسل إلى فرن إعداد الرغيف الذي يقع في الحي السكني.

أم شاكر في السبعين من عمرها، ترفض استخدام الآلة في إعداد "الكليجة" لتمسكها بتقاليد قديمة تجعلها تشعر بفرحة العيد، وتقول: "أقوم بإعداد الكليجة وتجهيز أنواع الأطعمة والطبخات العراقية مع القيام بتنظيف أثاث المنزل وإدخال بعض الديكورات الجديدة له استعدادا لاستقبال الضيوف في اليوم الأول من عيد الأضحى". وترى في حلول أيام العيد فرصة للتزاور وتقوية العلاقات الاجتماعية "بين الجيران أولا والأقرباء والأصدقاء، وتكون هذه المناسبة فرصة لإصلاح الود بين المتخاصمين، أثناء تناول الكليجة مع العصائر والشاي".

أما الزوج أبو شاكر فيقول إن شريكة حياته خبيرة في صنع "الكليجة". وأثنى على جهودها في حسم الخلاف بين الأقارب والمعارف. وأعرب عن أمله في أن يستثمر السياسيون أيام العيد لحسم خلافاتهم "بتبني نظرية أم شاكر بأن الكليجة من شأنها أن تعيد المياه إلى مجاريها بين المتخاصمين وتجعلهم يتخلون عن مواقفهم خدمة لمصالح شعبهم".

ويسترسل الرجل في الحديث: "على الرغم من الظروف الحرجة التي يمر بها العراقيون بعد الغزو الأميركي، إلا أنهم في كل الأحوال يحرصون على استعادة بهجة العيد السابقة حين كانت للعيد بهجة كبيرة، فالأولاد يلبسون دشداشة مقلمة بالحرير والولد الذي يحضر أهله له دشداشة لا ينام الليل وهو ينتظر الصباح حتى يرتديها ويسعد بلباسها وهذا حال معظم الأطفال الذين ينفقون عيدياتهم خلال اليوم باللعب بالمراجيح وأكل الأكلات الشعبية اللذيذة. أما الآن مع تغير الأحوال فتغيرت الملابس وغلب عليها البنطال والقميص وغيرهما من الألبسة الحديثة، العيد كان أيام زمان له نكهة خاصة ووقع عند الناس أكثر من الوقت الحالي وذلك بسبب الأوضاع الأمنية وأيضا التآلف والأخوة والترابط بين العوائل، وما دامت الأوضاع الأمنية بتراجع أتوقع أن أغلب الناس سيبقون في بيوتهم".


.. والنزاع يودي بحياة نصف مليون مدني

واشنطن: أ ف ب

قتل نحو نصف مليون مدني عراقي بين اجتياح بلادهم في 2003 و2011، حسب دارسة نشرتها أول من أمس الولايات المتحدة، وتأخذ في الحسبان أيضا القتلى الذين سقطوا مباشرة في النزاع وكذلك النتائج التي نتجت عنه.

وهذا الرقم هو بالتأكيد أكبر من رقم 115 ألف قتيل مدني عراقي نشره أحد المواقع الإلكترونية العراقية ومقره بريطانيا، وجمع أرقامه من معطيات نشرتها وسائل الإعلام والمستشفيات، وكذلك مصادر حكومية ومنظمات غير حكومية.

والدراسة الجديدة التي أعدها جامعيون في الولايات المتحدة وكندا، بالتعاون مع وزارة الصحة العراقية، لا تهتم فقط بالقتلى الذين سقطوا خلال النزاع، ولكن ايضا بالقتلى الذين سقطوا نتيجة الأحوال الاجتماعية التي نتجت عن المواجهات مثل المشاكل الصحية.

وأوضحت هذه الدراسة التي نشرتها مجلة "بي لوس ميديسين" أن "أي ارتفاع فجائي بنسبة الوفيات في العراق قد ينسب إلى العنف المباشر ولكن نسبه آخرون إلى عوامل غير مباشرة مثل الخلل في الأنظمة الصحية والنقل أو الاتصالات".

واستند الباحثون إلى آراء بالغين في نحو ألفي منزل موزعة على 100 منطقة عبر العراق وسألوهم عن ظروف وفاة أشخاص من محيطهم.

وحسب هذه المعطيات المطبقة في مجمل البلاد، فإن الباحثين عدّوا أن 461 ألف عراقي قضوا بأعمال العنف أو بنتائج الغزو بين مارس 2003 ومنتصف العام 2011.

وأشاروا إلى أن أعمال العنف، معارك واعتداءات واغتيالات، مسؤولة عن 70% من هذه الوفيات. والقسم الآخر نسب إلى عوامل غير مباشرة للنزاع.

وبعد غزوه في مارس 2003 من قبل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة، غرق العراق في نزاع طائفي بين 2006 و2007 قبل أن يستقر ليعرف بعدها موجة جديدة من العنف ابتداء من مطلع العام.

وفي 35% من الحالات، نسب الأشخاص الذين سئلوا رأيهم موت ذويهم إلى قوات التحالف و32% إلى مجموعات مسلحة.

وفي الحالات التي لم يكن فيها العنف السبب المباشرة للموت، جاءت المشاكل في القلب السبب الأكثر رواجا للوفيات؛ بسبب التراجع الخطير في النظام الصحي العراقي الذي تأثر كثيرا بسبب الغزو.

ومع ذلك وفي مقال ترافق مع الدراسة، حذر سلمان رواف من منظمة الصحة العالمية من أن النتائج قد تكون موضع درس ونقاش طالما أن هذه التقديرات "لا تتسم بالتأكيد".