من المثير للعجب أن الإنترنت عندما ظهرت سنة 1969 كنظام للتصدي لأي هجوم نووي على مراكز المعلومات الأميركية، لم تكن تحتوي آنذاك على أنظمة أو سياسة لحماية نفسها. وأول هجوم أمني خطير حدث بعد 20 سنة من ولادة الشبكة في عام 1988، وبسبب دودة سميت "موريس".

في العصر الحالي فإن تزايد استخدام تقنية المعلومات لمعالجة وحفظ البيانات واستخدام الإنترنت كوسيلة لنقلها، حولت تقنية المعلومات والاتصالات لتكون أحد العوامل الرئيسة المفعلة لخدمات ونشاطات المؤسسات العامة والخاصة. وأصبح لها الدور الفعّال في تطوير وتنمية اقتصادات بعض الدول المتقدمة مثل فنلندا، وإيرلندا، والولايات المتحدة، وإسرائيل. من ناحية أخرى أثبتت تقنية المعلومات والاتصالات أنها الوسيلة الأنسب، والأكثر كفاءة اقتصاديا لتنفيذ وتقديم خدمات المصالح الحكومية والشركات، سواء للمجتمع وأفراده، أو بين هذه المؤسسات.

وعلى صعيد آخر، ظهرت حاليا أنماط جديدة من التواصل الرقمي، مثل الاتصال بين الآلات أو الأجهزة بدون واسطة البشر، مثل أن يتصل جهاز الجوال بالسيارة، أو تتصل السيارة بأنظمة المرور، مما ضاعف حجم شبكة الإنترنت إلى درجة لا يمكن تخيلها.

وبذلك أصبح الهجوم على بنية تقنية المعلومات لدولة ما ذا بعد أعمق وأكبر تأثيراً من دودة "موريس"، فيمكن إصابة البنية الاقتصادية لدولة ما في مقتل أو على الأقل جرحها جرحاً دامياً، مثل ما قام به "شامون" البرنامج الذي اخترق أنظمة شركة أرامكو.

ووفقاً لتقرير شركة سيسكو فقد زاد حجم الهجوم على مراكز البيانات في العالم في عام 2012 عما سبقة بـ27%. كما شهدت سنة 2012 زيادة في عدد البرامج العاملة على الأجهزة الذكية والتي تستهدف أمن المعلومات بلغت 58%، مع العلم أن سنة 2011 شهدت نمواً مماثلاً.

عززت الحكومات نشاطاتها لدعم أمنها الإلكتروني، وأصبحت أنظمة تقنية المعلومات جبهة رابعة تضاف إلى الجبهات القتالية التقليدية، الأرض، الجو، البحر. وأسست هيئات مسؤولة عن الأمن الإلكتروني وفرق عمل للاستجابة للتهديدات، ووضعت سياسات واضحة لدمج وتنسيق النشاطات المدنية والعسكرية والاستخبارية للأمن الإلكتروني، خاصة أن الأمن المعلوماتي العسكري والاستخباري يتطلب موارد أكثر بكثير من الجهات المدنية أو الحكومية، وفي نفس الوقت يمكن الاستفادة من الخدمات الأمنية العسكرية للجهات الأخرى.

يعتمد تأسيس الدول للمؤسسات الأمنية والإلكترونية على بيئة أمن المعلومات فيها والنهج الاقتصادي والسياسي والعسكري الذي تتبعه، ومدى جاهزية مؤسساتها المختلفة لحماية الأمن الوطني والإلكتروني. فعلى سبيل المثال أسست حكومة فرنسا "وكالة أمن نظم تقنية المعلومات"French National Agency for IT Systems Security. وأسست ألمانيا مركزاً أسمته "مركز الدفاع الإلكتروني"، وأستراليا أوكلت المهمة لوزارة الدفاع لديها وأسست "مركزا لعمليات أمن المعلومات" The Cyber Security Operations Centre تابعاً لوزارة الدفاع. وكذلك الحكومة الإسرائيلية أسست "مركزا متخصصا ضمن وكالة الاستخبارات الإسرائيلية". الولايات المتحدة الأميركية وضعت منسقا لأمن المعلومات ضمن مكتب الرئاسة، إضافة لعدة مكاتب متخصصة في مختلف الجهات الحكومية. حلف شمال الأطلسي (الناتو) أسس "مركز الدفاع الإلكتروني التعاوني للتميز" العام الجاري بهدف تحسين قدرة حلف الناتو على صد الهجمات الإلكترونية، بالإضافة إلى التكفل بتدريب الكادر المدني والعسكري في الحلف على تقنيات الدفاع الإلكتروني.

تحول الإنترنت إلى ميدان صراع للوصول للمعلومات، أو تحطيم النظم المعلوماتية. فأسست الصين جيشاً من ثلاثة آلاف خبير في أمن المعلومات، سمي بالجيش الأزرق، بهدف الدفاع والهجوم الإلكتروني.

فهل نحن في المملكة لدينا جيش أخضر إلكتروني؟