بعيداً تمام البعد عن الجهات المعنية بحملة تصحيح أوضاع مخالفي أنظمة الإقامة والعمل – أي وزارتي العمل والداخلية- التي بدأت منذ شهر محرم من السنة الهجرية الجديدة، والتي حققت حضوراً على الأرض، برز على "السطح" سؤال حيوي طرحه أكثر من باحث ومختص في القضية حول قدرة أجهزة العمل السعودية على "سد الفراغ" الحاصل في بعض القطاعات التي أصاب بعض الشلل التام جزءاً من أنشطتها ومرافقها التجارية.

فالنقاشات أفرزت إضافة إلى ذلك، أسئلة كثيرة ومتتالية في هذا الإطار، وإن جاءت بصيغ مختلفة إلا أنها تصب في خانة ما يمكن الاصطلاح عليه بـ"سد العجز"، وهي الشكوى التي يستطيع أي متابع ملاحظتها بدقة شديدة. ومن ضمن تلك الأسئلة المباشرة: هل يستطيع الشباب السعوديون إكمال سد الفراغ في القطاعات المتضررة؟ وهل من الممكن الاعتماد على ذلك بنظرية الإحلال التوظيفي في الوظائف الشاغرة التي غاردها أصحابها لعدم تضمنهم شروط الإقامة والعمل؟ وما شروط سد ذلك العجز في عدد من المرافق التجارية والقطاعات الأخرى؟ وهل يقع على المجتمع دور سلبي أو إيجابي في تدعيم هذا التوجه من عدمه؟ وماذا عن الانتقاد الموجه لوزارة العمل حول غياب قواعد البيانات كجزء من استراتيجية التوظيف المستقبلية.

كما أنه لا يمكن "الفصل السيامي" هنا على الإطلاق، فالمسألة برمتها تتعلق بمشكلة "البطالة" في صفوف السعوديين، وبخاصة أن توقيتها جاء متزامناً مع بيانات مصلحة الإحصاءات العامة الصادر في أكتوبر الماضي بوصول المعدل إلى 12.1%، مع ارتفاع كبير في بطالة النساء وصلت إلى 35.7%، وفقاً للمصدر السابق.

دعم التوطين


الارتكاز الأكثر في مسألة توظيف السعوديين والسعوديات عند طرح دلالات المسألة من أكثر من زاوية، يتحدد بمسألة أهمية البعد الاجتماعي في دعم استمرار هذه الحملة التصحيحية، وهو ما جاء بشكل مؤكد في حديث نائب رئيس اللجنة التجارية بالغرفة التجارية بجدة الدكتور واصف كابلي، الذي أشار في حديثه لـ"الوطن"، إلى أن دعم إطارات المجتمع هو المعيار الأهم في التوظيف، عبر تشجيعهم في أماكن عملهم وإعطائهم الفرصة في إثبات وجودهم، وهم قادرون على فعل ذلك، متى ما توفر ما أطلق عليه "الإرادة المجتمعية". وحيال وجهة نظر كابلي في مسألة دلالات التوظيف كصورة مقابلة للحملة، أشار إلى معلومة حيوية وهي أن أي مجتمع لا يستطيع أن يتخلى عن العمالة الأجنبية، ويضيف: "لكن الأمر المهم هنا تطبيق المرحلية في توظيف شبابنا، إذا استطعنا تحقيق نسبة 20%". ويقول: "لا نريد أن نصل في الفترات المقبلة إلى مسألة توظيف 90% من السعوديين، لكن إن استطعنا الوصول إلى نسبة 50% مناصفة بين أبنائنا والعمالة غير السعودية، سأعتبر ذلك إنجازاً بكل ما للكلمة من معنى".

شروط مختلفة


كابلي الذي قدم مبادرة بشأن "مبادرة مقترحة"، ضمن حملة التصحيح لوزير العمل المهندس عادل فقيه، أن يطرح مسألة الاستثمار الأجنبي لبعض المؤسسات، بشروط مختلفة، ليمضي بعد ذلك في تأهيل السعوديين في نفس القطاع القائم على مبدأ التنافسية إلى حين تحقيق الشباب الريادة في أعمالهم والبقاء على الكادر الوطني. وبلغة "التحذير المباشر" يشدد كابلي على أهمية عدم الاستعجال في خطوات الحملة التصحيحية والقفز على ذلك بشكل لا منهجي، بخطوات متسارعة.

قواعد البيانات


وفي هذا الإطار، يلاحظ وجود اتجاهين متقاطعين في مسألة "سد عجز" الوظائف الحالي: الأول يرى المضي قدماً في تطبيق الحملة بحذافيرها وعدم التساهل معها، والثاني يرى نفس البادرة إلا أنه يشدد على أهمية بناء رؤية استراتيجية إلكترونية قائمة على قواعد البيانات.

ومن أنصار الرأي الثاني الخبير الاقتصادي فضل البوعينين الذي يعد أبرز المتحدثين في تداعيات ودلالات توطين الوظائف بعد الحملة، بالاعتماد على استراتيجية نظرية "الإحلال الوظيفي"، وليس "السعودة"، ويقول في تعليق خاص إلى "الوطن": الحل الأمثل للقضاء على بطالة السعوديين يتمثل في وجود قاعدتي بيانات، الأولى تشمل الوظائف التي يشغلها غير السعوديين في القطاعين العام والخاص، والثانية بيانات تشمل أسماء السعوديين الذين لم يتحصلوا على وظائف ومقارنة مؤهلاتهم بالوظائف التي يشغلها غير السعوديين، وتطبيق نظرية الإحلال.

ومن نافذة هذه النقطة تحديداً يوجه البوعينين نقداً لاذعاً إلى وزارة العمل في شأن غياب قواعد البيانات التخصصية.

وحاولت "الوطن" الاتصال بمسؤولي الوزارة لطرح ما ذكره البوعينين، إلا أنه لم يتسن لها ذلك على رغم الاتصالات المتكررة.

ثغرات السوق


وعند متابعة سير الأمر عند عدد من المراقبين الاقتصاديين والباحثين في القضايا العمالية كمسعود الحازمي الذي رأى في تنفيذ الحملة على الأرض تطوراً إيجابياً في إحداثها ثغرات كبيرة في جدار سوق العمل السعودي، عبر توفيرها لـ"الوظائف الشاغرة"، التي تنهي الإشكال خلال السنوات المقبلة وأقل من ذلك في بعض القطاعات.

ويتفق في حديثه لـ"الوطن"، على وجود نوع من "التضخيم" للآثار السلبية من حملة تصحيح أوضاع العمالة بالمملكة في توظيف السعوديين، وقال: "إن إجراءات تصحيح سوق العمل المحلي ساهمت في خلق فرص وظيفية للعاطلين والعاطلات من أبناء البلاد، وبخاصة من جيل الشباب، إضافة إلى هذا فإن التطبيق يسمح بوجود ضغط حقيقي على القطاع الخاص الذي يُعد أحد الأسباب الرئيسية في زيادة أعداد البطالة، وعدم تشجعه على توظيف السعوديين بحجة غياب مؤهلاتهم".

المبالغة في الأرقام


ويعود البوعينين مرة أخرى لتسليط الضوء على عدم المبالغة في طرح الأرقام لا من جهة نسبة التوظيف أو من جهة القبض على المخالفين، وتعليله في ذلك بأن بعض مسؤولي الغرف التجارية يطرحون نسبة توظيف هائلة للسعوديين تصل إلى 70%، وهذا غير صحيح على الإطلاق، مشدداً على أهمية عدم الازدواجية في طرح أرقام المقبوض عليهم من المخالفين، حتى تفرز المرحلة الأولى، لأن هناك أرقاما تنشر في وسائل الإعلام غير واضحة في الدلالات ويمكن أن تشوش على عمليات توظيف الشباب، وبخاصة أننا لا زلنا في المرحلة الأولى. وذكر البوعينين أن المدة التي يتوقعها لتغطية العجز في الوظائف الإدارية عموماً في المملكة من قبل الشباب السعودي لن تتجاوز العامين تقريباً، بحسب قوله.

كما يرى أكثر من محلل أن القطاعين اللذين تضررا كثيراً ويحتاج النظر إليهما من قبل وزارة العمل بشيء من الأهمية هما قطاعا العقار والصيانة والتشغيل، وذلك باعتبار وظائفهما غير جاذبة للسعوديين لمحدودية الدخل الشهري، وأنه لا مبرر للضغط على هذين القطاعين ومحاولة إيجاد حلول توافقيه مع الجهات المعنية.


زيادة إعلانات التوظيف

رصدت "الوطن" في عدد من القطاعات، زيادة نسبة الإعلانات الصحافية والإلكترونية، إضافة إلى وسائط الإعلام الجديد وبرامج الدردشة الهاتفية "الواتس آب" والإعلانات في المولات التجارية، التي تطلب توظيف الشباب السعودي برواتب لم تكن لتطرح من قبل ليصل أدناها إلى 4500 ريال، وهو يمثل مرحلة بحسب عدد من المتابعين نقطة مفصلية لم تكن لتظهر بهذا الحجم من القوة، مما اعتبر انعكاساً إيجابياً على ضرورة الاستمرار في الحملة.

ويحلل الأكاديمي الاقتصادي الدكتور فيصل الخالدي، مناظر الرصد الإعلاني لطلبات التوظيف من نجاح الحملة في خلق نمو التوظيف على الكادر السعودي بغض النظر عن "النوعية"، لافتاً إلى أن أكثر قطاعين استفادا من توظيف شباب الوطن هما الوظائف الطبية المساندة الإدارية في قطاع الصحة، وبخاصة الخاص، إضافة إلى قطاع التعليم الأهلي الذي سد عجز عدد غير قليل من المدارس.


.. وأول الخلافات يطل من مدارس "قيادة السيارات"

أبها: سعيد عسيري

ظهرت على السطح بوادر أزمة ما بعد مرحلة التصحيح لمخالفي نظام الإقامة والعمل التي انتهت مطلع محرم الماضي، إذ اعتذرت مدارس تعليم قيادة السيارات عن استقبال بعض طالبي الترشح لاختبار قيادة المركبات الثقيلة والمتوسطة، بحجة أن تعديل مهنهم غير مطابق للأنظمة المرورية محليا.

وكشف عدد من كفلاء السائقين الذين تم الاعتذار عدم استقبالهم أن السائقين كانوا على مهن مختلفة، حيث كانوا مزارعين أو سائقين خاصين، إلا أن مدارس القيادة بالمنطقة اعتذرت عن إنهاء إجراءات تعديل مسماهم إلى سائق نقل متوسط أو ثقيل، لأن هذه المهن تحديدا تحتاج إلى وجود رخصة قيادة سارية المفعول من بلد العامل، ولا يمكن إصدار رخصة نقل متوسط أو نقل ثقيل لأي أجنبي إلا إذا كان يملك رخصة من بلده.

"الوطن" نقلت المطالبات إلى مدير مدرسة تعليم قيادة السيارات بعسير خالد السياري فأكد صحة الأمر، موضحاً أن مكتب العمل قام بتعديل المهن لبعض العمال إلى سائقي نقل متوسط وثقيل دون تقييم لوضعهم، وهل هم متمكنون من القيادة، خصوصا أن بعضهم لا يملك أي خلفية عن القيادة نهائيا. والأمر الآخر أن نظام إدارة المرور يرفض استخراج رخص لمثل هذا النوع من المهن إذا لم يكن لأحدهم رخصة من بلده، وكان من المفترض ألا تغير المهنة حتى يأتي العامل برخصة من بلده ثم تعدل مهنته.

وحول أبرز الحلول للخروج من هذه الأزمة قال: لا يوجد إلا أحد أمرين، إما أن يتم استثناؤهم من تطبيق النظام، ويتم تقييمهم من لجان تابعة للمرور، أو يتم تعديل مهنهم مرة أخرى بما يتناسب مع إمكاناتهم.

بدوره رفض المتحدث الرسمي لوزارة العمل حطاب العنزي في حديث لـ"الوطن" أن تكون الوزارة تسببت في هذه الأزمة، مؤكداً أن التخصصات التي تتم المطالبة بصحتها هي المهندسون والأطباء، حيث يتم إلزامهم بإحضار شهاداتهم لكي يتم تعديل مهنهم، أما المهن المتبقية فيتم تعديلها مباشرة خلال فترة التصحيح بناء على رغبة الكفيل، داعياً إلى حل هذا الأمر من قبل الجهات المعنية، "ولا دخل لوزارة العمل في الأمر".