لا نزال ندور في حلقة مفرّغة! فيما يخص إسعاف الحالات الطارئة بالأماكن النسائية المغلقة، هكذا نقرأ عن حادث تلو الآخر، وتتوفى فيه امرأة نتيجة عدم السماح لرجال الهلال الأحمر أو الدفاع المدني بمباشرة الحادث فورا، والذي يحتاجون فيه لكل ثانية من أجل إنقاذ روح على مشارف الموت، فمع الأسف نتيجة لحجة "الحجاب" وعدم "الاختلاط" تزهق تلك الأرواح البريئة وكأنها لا شيء يُذكر، هكذا ببساطة يحضر الموت فلا يُرهب تلك القلوب في صدور نساء يُقال عنهن "جنس ناعم"، وفيهن من الرحمة والحنو ما يذيب جبالا، إلا أنه فيما يبدو عندنا تتلاشى هذه الرحمة وتحلّ محلها الأنانية والتوحش الإنساني في قلوب هؤلاء النسوة، فيرفضن ويتذمرن من دخول المسعفين ليؤكدن على تدين يجهلون أن أساسه الرحمة، وأن من أحيا نفسا كأنما أحيا الناس جميعا، ورغم أن ارتداء العباءة لا يحتاج إلى ثانية لكن ماذا نقول سوى قاتل الله الجهل والتوحش حين يكون سببا في إزهاق روح هي عند الله عزيزة!

فبعد عدة حوادث آخرها حادثة آمنة ـ رحمها الله ـ منذ بضعة أشهر، وهي طالبة الماجستير في جامعة الملك سعود نتيجة عدم السماح للإسعاف آنذاك بالدخول من قبل إدارة الجامعة مما أدى لوفاتها، ها نحن نقرأ خبرا حزينا عن وفاة "ابتسام الفيفي" ـ رحمها الله ـ من أبها، نتيجة حادث انفجار في قاعة كانت تحتفل فيها وزميلاتها بتخرجهن، ولا تزال أسباب الانفجار مجهولة لعدم أخذ الحادث بعين الجدية لدى الجهات المسؤولة فيما يبدو، تاركين بوابة الإشاعات من تفتح أفواهها! حتى تحدثت شقيقتها حنان قبل الأمس لموقع "سبق" الإلكتروني، لتقول إن المسعفين حضروا سريعا لمباشرة الحادثة المروعة، فقد دخل جسم صلب إلى أحشاء ابتسام جراء الحادث، وجعلها تنزف على المسرح رسمت فيه آخر ابتساماتها، ورغم ما تعانيه أحشاؤها، إلا أن النسوة في تلك القاعة لم يعرن منظرها أي اهتمام، ورفضن دخول المسعفين ليحملوها إلى المستشفى سريعا، وكان لديهن متسع من الوقت لارتداء الحجاب كما ذكرت شقيقة المتخرجة المتوفاة، لكنه العناد في استرخاص الموت وإلقاء أسبابه على شماعة "القضاء والقدر"، مما جعلهن يمنعن دخول المسعفين حتى اضطرت شقيقتها مع زميلتين لأختها لفها بعباءة التخرج وحملها خارج القاعة ووضعها على الأسفلت حتى يتسنى للمسعفين حملها سريعا للمستشفى!!

وفيما يبدو تأخر الحالة أدى لشدة النزيف ومن ثم الوفاة الدماغية حتى رحلت إلى بارئها! رغم أن في حالة "ابتسام" لوجود جسم صلب في أحشائها، بحسب ما أوضحت أختها، كان يجب عدم تحريكها بهذه الطريقة العشوائية بل يُترك الأمر للمسعفين! ولكن ماذا نفعل فيمن كانت قلوبهن أشدّ قسوة من الحجارة!

باختصار شديد وإن كنتُ ألوم وأجرم هؤلاء النسوة، لكن بكل جدية ألوم المسعفين، إذ يجب عليهم أداء واجبهم والتصدي لمثل هذا الجهل، فرجال الإسعاف والدفاع المدني عليهم ألا ينتظروا أي إذن لإسعاف أي حالة، وليس عليهم أي مسؤولية في ذلك، ومن يمنع يعيق عملهم فتجب محاسبته ومعاقبته، فالروح عند الله عزيزة، فمتى ندرك قيمة الحياة ونُريح شماعة "القضاء والقدر" من ذنوبنا!؟