"أتطلع إلى حياة بلا جداول" هذا ما رغبت به "باربرا والترز" ـ 84 عاما ـ المذيعة التي مهدت للنساء الأميركيات الطريق للعمل في التغطيات الإخبارية الجادة، إذ إنها أول مذيعة تقدم نشرة أخبار تلفزيونية أميركية، وتكريما لعطائها حضر إعلانها لاستقالتها بعد مسيرة عمل 53 عاما، عدد من الشخصيات البارزة الشهيرة سياسيا وفنيا وإعلاميا، منهم أوبرا ونفري، وهيلاري كلينتون، وآخرون، وولترز أجرت عددا من اللقاءات التلفزيونية البارزة مع شخصيات سياسية أميركية ودولية وعربية، منها حوارها مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله؛ ولأن المؤسسات الإعلامية الأميركية ليست مؤسسات تقودها أمزجة فردية، بل قيادات تهتم بنسبة المشاهدين، فإن الكفاءة وحدها من أبقتها لـ53 عاما دون النظر إلى عمرها الافتراضي.

لا أنكر أني من المعجبات بشخصية "والترز"، وقد كانت أمام عيني خلال عملي السابق في التلفزيون، وأظنني تأثرت بها، فهي من أكثر الإعلاميات هدوءا واتزانا، وهنا التحدي الحقيقي في كسب المشاهدين، دون إثارة مجانية، أو غرور فارغ، كما نرى من بعض مذيعات ومذيعي اليوم، ممن يفتعلون الصراع مع ضيوفهم؛ ليدللوا على المهنية المجانية، فقط المهارة والثقافة من مكنا باربرا من التطرق للأسئلة الصعبة والحساسة في أسلوب راق ولطيف، تجعل ضيوفها ذوي الحساسية الاجتماعية "يفضفضون" لها دون اكتراث، وأكثر من درس للمؤسسات الإعلامية العربية والإعلاميين عليهم أن يتعلموه من هذه الاستقالة وليس التقاعد؛ لأنها جاءت برغبة منها لا برغبة المؤسسة التي تعمل فيها، رغم بلوغها 84 عاما، بينما بعض المؤسسات الإعلامية العربية متى ما "تكرمشت المرأة " أعلنوا إقالتها! أمر مؤسف فعلا.

وبصدق شديد، حين قرأت خبر إطلاق اسم والترز على مبنى الأخبار بشبكة "إيه بي سي" التلفزيونية تكريما لما قدمته بنصف قرن، تذكرت احتفالية هيئة الإذاعة والتلفزيون الشهر الماضي، التي تابعتها عبر الإخبارية بمرور خمسين عاما، وكيف أن ذلك الحفل الضخم رغم أن القيادة السياسة تدعم المرأة وأوصلتها إلى الشورى، إلا أنه خلا من تكريم شخصيات إعلامية نسائية، ولو ببث بعض اللقطات لما قدمنه أو حتى صور لهن ضمن ما بثوه من لقطات البرامج التي رصدت التاريخ الإعلامي السعودي، حتى الصور التي عُلقت في مدخل الحفل بدت تخلو منهن، ولم تكن سوى صور لوزراء اعتلوا وزارة الثقافة والإعلام وإعلاميين معهم حالفهم الحظ في تلك الصور، ونسى من نظم ذلك الحفل الرائدات السعوديات آنذاك، وكم تمنيت أن يتخلل حفل الخمسين عاما من العطاء ذكرٌ لعمل المرأة في الإذاعة والتلفزيون فيما نُقل عبر الإخبارية، كـ"هدى الرشيد" أول سعودية تظهر على شاشة التلفزيون السعودي لتقديم نشرة الأخبار، وماما أسماء "أسماء زعزوع" أول صوت نسائي سعودي عبر الأثير خارج السعودية ـ رحمها الله ـ و"الدكتورة فاتنة شاكر" أول صوت نسائي سعودي عبر الأثير السعودي، الذي جاء برغبة الملك فيصل بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ و أخريات كسلوى شاكر ودنيا بكر يونس وغيرهما، هؤلاء هن اللاتي مهدن لعمل المرأة السعودية في الإذاعة والتلفزيون، ولكن مع الأسف لدينا ذاكرة رديئة وعقول مهترئة، لا تحفل إلا بمن في المناصب، ولكن ربما تتذكرهن "الهيئة" في احتفالية المئة عام! والله يعطينا العمر لذلك اليوم.