بعيدا عن المثالية الفارغة، أتساءل: هل فاجأني أو فاجأكم ذلك المقطع لطلاب المدرسة الابتدائية الصغار وهم يعلنون فرحهم بانتهاء الدراسة وتمزيق الكتب والقفز بين أشلائها؟!

في الحقيقة لم يفاجئني ـ وإن ساءني ـ لأن هناك من يفعل ذلك قبلهم، ولكن لحسن حظهم لم تشهد تمزيقهم لكتبهم كاميرا صغيرة خفيفة في هاتف ذكي يمتلكونه، كما فعلت مع هؤلاء الأطفال، وكأنهم انتهوا من كابوس وليس من سنة دراسية، يفترض بها أنها مكنتهم من التعلم والمعرفة، وأثرتهم بالتجربة الإنسانية والأخلاقية!.

انطلق الوعيد من قبل وزارة التربية بالمحاسبة، وكنت أتمنى أن تتأنى الوزارة ـ كما أدعوها دائما ـ وتبدأ بقراءة الحادثة قراءة تكشف لها عن عورات العملية التعليمية، التي أدت بهؤلاء الصغار إلى فعل ما فعلوه، وجعلهم يتطايرون في الشارع فرحا، والعقوبة هنا ليست الحل، ولن تمنع طلابا آخرين من تمزيق كتبهم خلف أعين "اليوتيوب" من وراء حجاب، ولنكن صادقين فعلا مع أنفسنا ونضع السؤال: لماذا فعل هؤلاء الصغار ذلك؟! إنهم في "الابتدائية"؟ وهذا يعني أنهم أكثر صدقا وأبعد عن النفاق واضطرابات "المراهقة" الهرمونية؟! وهذا هو السؤال الصعب الذي يتوجب أن تضعه وزارة التربية والتعليم على طاولة مسؤوليها ومستشاريها وقياداتها بجدية؛ من أجل تطوير العملية التربوية والتعليمية، وليس فقط إنهاء الموقف بإصدار العقوبات، فما يجب فعله هو معالجة الأسباب؛ لمنع الرغبة في تمزيق الكتب وليس فقط منع تمزيقها.

أسئلة أخرى أضعها على طاولة الوزارة لمساعدتها في مواجهة هذه الحادثة: هل يتماشى التعليم في مدارسنا مع أسلوب الحياة التي يعيشها هؤلاء الأطفال والمراهقين؟! انظروا لما يمتلكونه من أجهزة ذكية! وتأملوا ما يشاهدونه في القنوات التلفزيونية المفتوحة على العالم، وحينها تأتي الإجابة صادقة، وقبل ذلك تمعنوا في الكثير من المتناقضات التي يعيشها هؤلاء الطلاب والطالبات، بين ما تمارسه معهم المدارس، وبين ما يرونه ويعيشونه في حياتهم خارجها، وأبسط مثال، تحريم الموسيقى والغناء داخل هذه المدارس حتى مع النشيد الوطني، فيما يخرجون بعد الظهيرة ليستمعوا عبر إذاعات سيارات آبائهم وأجهزتهم الذكية وقنواتنا التلفزيونية أغنيات وطنية يطربون لها! هذا مثال بسيط على التناقض والازدواجية في حياتهم، لكن لها من التأثير الكبير جدا على تكوين شخصيتهم بطريقة مضطربة، فما الذي ستفعله الوزارة لعلاج ذلك؟!

والمأساة استمرار التعليم بالتلقين وإن تطورت الكتب والمناهج، لكن كثير من المعلمين والمعلمات ممن أمضى عشرين سنة وأكثر لم يتطوروا معها، فبعض المعلمات الكبيرات لا يعرفن حتى كيفية تحريك الماوس لجهاز الحاسوب!! بالله عليكم كيف يشعر هؤلاء الطلاب والطالبات أمام هكذا معلمين ومعلمات؟!، وأيضا في ظل تعليم تنتهجه دول العالم الأول بالترفيه، حيث كثرة الرحلات المدرسية بزيارة المتاحف والمؤسسات الحكومية والمعرفية، ما يزال طلابنا وطالباتنا يتعلمون بين جدران الفصول الأربعة، مما يسبب لهم الملل والرتابة! فهل وصلنا إلى الوعي التربوي التعليمي لخلق بيئة التعليم بالترفيه أم مانزال نؤمن بالورق الذي بات عصره ينتهي؟! ولعل هذه الحادثة تجعل الوزارة تؤمن أن التعليم الإلكتروني هو ما يجب أن يبدأ وبشكل سريع، حيث الكتاب الإلكتروني والآي باد، بدلا من إهدار الميزانيات على مطابع الكتب التي تنتهي بتمزيقها أو إتلافها آخر العام.