"العيون" منافذ أجسادنا الإنسانية، ونمنع الآخرين من الدخول إلى "قلوبنا" فقط حين نغمضها نياما على تلك الأسرة كالموتى، وحين نفتحها للتلصص على العالم من حولنا، فإن الآخرين أيضا يسترقون النظر على أسرارنا وأثاث قلوبنا من أبوابها المشرعة، فلغة العيون لا تحتاج إلى الكلام، لكنها عصيّة على إرادة صاحبها "الإنسان"، إنها كفيلة بالبوح عن أحاسيسنا وتناقضاتنا وحكاياتنا وحتى تاريخنا، وكلما كان أحدنا على قدرة تُمكنه منها حساسيته لقراءة إشارات تلك "الأعين" استطاع كشف مخابئ النفس الكامنة داخلنا، هكذا إذن ننفر أو نقترب دون معرفة سابقة من أحدهم حين نتأمل عينيه في أول لقاء لنا به، فعيناه حملتا إشارات لا نراها تلقفتها أحاسيسنا، ولهذا ببساطة تفضحنا، حين "نحبّ" وحين "نكره" وحين "نخاف" وحين "نمرض" وحين "نتألم"، تتكفل بغسلنا بما نذرفه من دموع كما المطر، حتى حين "نكذب" على الآخرين، فلن تشاركنا أعيننا الكذب كما تفعل بقية حواسنا معنا لإخفاء حقيقة أو سرّ ما، إذ تستطيع أن تقول بلسانك ما ليس واقعا في قلبك، وتقدم بيديك هدية مجاملة لمدير تكرهه، وتشم رائحة كريهة مزعجة من أحد الأشخاص ثم تبتسم له استحياء، وقد تمشي بقدميك إلى حيث لا ترغب نفسك، هكذا أنت وحواسك متفقون، وتبقى "العيون" خارج هذه الحسابات الذاتية! فهي وحدها ستقول الحقيقة، حتى وإن حاولت إخفاءها، ستواجهك في المرايا وتعلنها لك في وجهك صراحة "أنت كاذب"! فهل حاولت يوما مواجهة عينيك في "المرايا"!؟

طاقة غير مرئية سلبية كانت أو إيجابية تنبع من قلب صاحبها الإنساني وتنبلج من "العيون"، فإن كان القلب مُحبا طيبا، كانت عينا صاحبه مضيئة تبعثان في الآخرين طمأنينة وراحة، وإن كان القلب حاقدا بغيضا، كانت عيناه "شرارا" تبعثان النفور مهما حاول تبييض أفعاله، هكذا تأتي عين تغبطك فتتمنى زيادة نعمة الله عليك كما لها، في حين تأتي عين تحسدك فتتمنى أن يزيل الله نعمته منك لأن صاحبها لم يحصل عليها، والسرّ يكمن ليس في تلك العين بل في تلك النفس وما بثته عبر بوابة جسدها من طاقة إيجابية أو سلبية، وعلم الطاقة علم واقعي وليس ضرب خيال، وكله من ذلك القلب، ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم كما نقلا البخاري ومسلم: "ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب"!! فهل حاولت يوما أن تغسل قلبك مرة كما تغسل بدنك كل يوم!؟

قد نتوهم كثيرا حين نظنّ بأن السجون فقط تلك التي تُحيط بها جدران وقضبان من حديد، تُبقي ذلك الإنسان داخلها حبيسا معزولا، بعيدا عن الشمس والفصول الأربعة، لكن هناك سجون أكثر قسوة وبلا جدران لها ولا قضبان، إنها تلك "العيون" التي تسجنك داخل ظنونها، وتحبس عنك "حريتك" داخل أفكارها وأوهامها ومخاوفها، هذه "العيون" أسوأ السجون مهما كنت مستمتعا بالشمس أو قفزت فرحا تحت المطر!

هل أخبركم عن أجمل العيون؟!.. إنها عيون العاشقين، وحدها لا تهتم إن قرأ أحدهم أسرارها، ووحدها تسهر الليل حين تغمض كل الأعين التي نامت قلوبها دون "حب".