بعد ما يقارب السنتين، نقم خلالها عالم "الجن" على مجتمعنا السعودي، بسبب اتهام أخوهم "الجني" الغلبان في القضية الشهيرة والساخرة، المتمثلة في فساد مالي بالاستيلاء على 600 مليون في المدينة المنورة "مليون ينطح مليونا" من حقوق المواطنين، كان ابتلعها القاضي دون أن يخشى الله تعالى في عمله، مستغلا منصبه وحصانته ـ مع الأسف الشديد ـ هو وشركاؤه في القضية وبلغ عددهم 36 تم القبض عليهم وتوجيه التهم لهم، عبر فساد إداري ومالي بين التزوير والرشوة والاستغلال للنفوذ الوظيفي، للتلاعب بحقوق المواطنين والاستيلاء عليها، بحسب ما نشرته بالأمس "جريدة عكاظ"، وبعد كل ذلك أخيرا تمت تبرئة "الجني" المتهم وإدانة القاضي وشركائه في الفساد و إسدال الستار عن المهزلة المسرحية التي مثلوها على الناس ووسائل الإعلام، حين زعم ذلك القاضي ومحاميه ومن مشي مشيهم كأحد الرقاة، أن القاضي ملبوس "بسلامته" ومارس الفساد دون وعي منه بسبب "الجني"، فزور عنه وسرق واستولي على الملايين، وباتت هذه القصة المضحكة هي نكتة القرن وليست نكتة العام فحسب!!

لقد كانت مسرحية هزلية مثلها هذا القاضي وشركاؤه ومن حاول استخدام هذه الحيلة لإخراجه، فمن منّا لم يضحك حينها، ومن منّا لم يخشَ أن تسمح المحكمة باستمرار هذه المهزلة، ولكن دون شك، كنتُ على يقين أنها مسألة وقت، وأنه لا يُمكن أن تسمح وزارة العدل ووزيرها الموقر، الذي نشهد له جهودا جبارة وموفقة وطموحة لتطوير سلك القضاء وأنظمته بما يخدم الناس والمعاش، متزامنا مع تطهيره من الفساد والفاسدين، الذين يستغلون الحصانة والمنصب الوظيفي رغم امتيازاتهم، فيستولون على حقوق الناس، ودليل التعافي والجدية في التطوير هو ما أصبحت عليه أخبار الصحف، إذ لا تخلو من متابعات خبرية تعلنها وزارة العدل وتسمح بنشرها حول القبض على بعض قضاة وكتاب عدل مزورين وسارقين ومرتشين، وهذا هو الحق الذي يريده كل مواطن وإنسان في الوطن، فالعدل عامود الأمن والاستقرار المجتمعي، والقانون فوق الجميع أيّا كان، وكنتُ كتبت سابقا عن هذه الجهود المشكورة التي تبذلها وزارة العدل بقيادة وزيرها في جدية عملية التطهير لأهم وزارة ـ في رأيي ـ ممن انتموا لأهل الفساد، إنها خطوة جبارة اتبعتها وزارة العدل وليت بقية الوزارات تتبعها وتقتدي بها تتمثل في الاعتراف بوجود الفاسدين ومن ثم محاسبتهم ومحاكمتهم بشفافية إعلامية، هذه الخطوة بحد ذاتها دليل قوي لجدية التطوير والإصلاح.

والآن بعد أن تمت تبرئة "فشفاش بن حنكوش الحرفوش" كما أسميته في أحد مقالاتي يحمل هذا العنوان، وإدانة هذا القاضي بجهود مشكورة وموفقة من قبل المحققين المخلصين في هيئة التحقيق والادعاء العام، فإن ما ألفت إليه الانتباه، أنه يجب أن يتم فتح كل القضايا التي نظر فيها هذا القاضي وأمثاله من القضاة ممن تم القبض عليهم في قضايا فساد، والتحقق من الأحكام التي أصدروها خلال مزاولتهم للعمل، فهي قابلة للطعن لانتفاء النزاهة، وكم من مظلوم قد يكون الآن في السجن بسبب حكم جائر، صحيح أنه مجهود جبار ولكن الوزارة قادرة على أدائه بتوجبه قضاتها المحترمين على مراجعتها، ففي ذلك سيكون من الخير الكبير والكثير جدا.