هل أصاب الناقد الفرنسي أناتول فرانس حين قال: "الجهل والخطأ ضروريان للحياة مثل الخبز والماء"؟! أعتقد أنه مصيبا، فلولا الجهل لما احتجنا إلى التعلم، ولولا التعلم لما تطورت حياتنا بتطور وتعلم العقل البشري منذ العصر الحجري وحتى التقنية الذكية التي نعيشها الآن وما نزال نتعلم ونتطور لفك شفرات المناطق التي نجهلها، ذات الأمر في الخطأ، نحتاجه فعلا، كي ندرك الصواب الذي يدفعنا إلى التحسن في سلوكياتنا وعلومنا وأخلاقنا، فلولاه لما كان للضمير حاجة، ولولا الضمير لما احتجنا للإحساس، ولولا الإحساس لما احتجنا إلى الأخلاق والعلم، وبهذا الخطأ أدركنا معاني عديدة في حياتنا كالصفح والعفو والنبل والمجد والجيد والرديء.. إلخ.

في نهاية الأمر نحن بشر، ولسنا ملائكة تمشي على الأرض، من حقنا أن نخطئ كما واجب علينا أن نصيب، فلم يخلق البشر إلا ليكون الخطأ جزءا من تكوينهم كامتحان أساسي يستحقون عليه الحساب يوم لا ريب فيه، ومن ثم النجاة أو الهلاك، وإلا لاكتفى الله سبحانه وتعالى بالملائكة الساجدين العابدين دون زلل أو خطأ، لكنه أراد بشرا يخطئون، منهم من يدفعه الخطأ للعناد والمكابرة وهؤلاء يتحملون مسؤولية أفعالهم الهالكة، ومنهم من يدفعه الخطأ لندم شديد في نفس لوامة، تعود به إلى الاستغفار والتعبد تكفيرا عن هذا الخطأ في توبة نصوحة، وكم يفرح الله سبحانه بعودة عبده إليه متعبدا له بالخضوع والخنوع استغفارا وخوفا ورجاء، ألم يذكر في الحديث الشريف "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون"، ولولا ذلك لما كتب الله تعالى على نفسه المغفرة، وكلما كبر ذنب هذا الإنسان وعاد بعده خاضعا راجيا خائفا محبا لله تعالى، عظمت رحمة الله تعالى التي وسعت كل شيء وغفر له، لقوله تعالى "والذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون" آية (135/ آل عمران)، وقوله: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم" (35/ الزمن) وقوله تعالى "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" (48/ النساء)، بل في القرآن الكريم ذكر الله تعالى "غفور" ما يقارب 91 مرة، و"يغفر" في 35 مرة فيما "رحيم" 115 مرة تقريبا، فيما ذكرت "جبار" عشر مرات وشديد العقاب 14 مرة تقريبا.

الموضوع ذو اتساع وليت المساحة تكفي للاستزادة في معنى ذلك، لكن ما أود قوله: إننا لسنا ملائكة، وبالتالي لا نتصف بالكمال وميزتنا في نقصنا، حتى الأنبياء عليهم السلام أخطؤوا، ولهذا خلقنا الله كبشر نعقل أمورنا بحرية كي نتحمل مسؤوليتها، وإلا ما فائدة العقل إلا التكليف في ظل شريعة تنظمها بجانب قوانين بشرية لما يستجد لدنيانا وتتسق مع الشريعة السماوية، وليس معنى ذلك أن نخطئ بقصدية، ثم نقول: الله غفور رحيم، فهو أيضا أعلم بما تضمره الضمائر ولن يمكر على الله إلا الغبي الغافل، وفي ذات الوقت من ينظر لنفسه على أنه ملاك بشري منزه عن الخطأ لاكتسابه علما شرعيا يغتر به وبطاعة يفعلها كبعض مشايخ الفضائيات، فذلك يصدق عليه قول الفيزيائي الألماني جورج لشتسنبرج "من يبحث عن الملائكة ولا ينظر إلا إلى الأجنحة يعود أدراجه حاملا إوزة"!