لقد فجر العالم الجليل والأكاديمي القدير، في جامعة أم القرى، وعضو مجلس الشورى السابق، فضيلة الشيخ الدكتور حاتم العوني الشريف، قنبلة مدوية، كاستجابة منه لوصية خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله ورعاه - لعلمائنا الأجلاء "بترك الكسل" لمجابهة وفضح التطرف؛ قبل أن تنفجر بنا وتقطعنا شعباً ووطنا إلى أشلاء يصعب أو يستحيل جمعها ثانية. وهذه القنبلة الموقوتة التي تهددنا كما ذكر فضيلة الشيخ الشريف بالانفجار في أي لحظة من الآن إن لم نتداركها وننزع فتيلها؛ تكمن كما قال بين ثنايا بعض الفتاوى الواردة في كتاب "الدرر السنية" الذي يحتوي على جمع من فتاوى علمائنا القدامى والحديثين.

كتاب الدرر السنية هو مؤلف يقع في حوالي 16 مجلدا، جمعه ورتبه فضيلة العالم الجليل، عبدالرحمن بن محمد بن قاسم النجدي (1312- 1392)، رحمه الله. ولفضيلة الشيخ الجليل، النجدي كذلك مؤلف يقع في 37 مجلدا، كل مجلد يحتوي على حوالي 1200 صفحة، جمع فيه تراث الشيخ ابن تيمية، الفقهية منها والعقدية. والشيخ النجدي ألف عدة كتب، منها "السيف المسلول لعباد الرسول"، وغيره من كتب.

الشيخ النجدي رحمه الله، كما نشاهد كان عالما نشطا غزير الإنتاج في جمع وتصنيف الفتاوى الفقهية والعقدية؛ ومثل أعماله العلمية هذه لا يمكن أن تقوم بها إلا دار نشر كبيرة، ومع ذلك لن تخلو من السهو والأخطاء. أي أن ورود الخطأ في كتب ومصنفات الشيخ النجدي وارد؛ حيث هو عمل ضخم، قام به فرد، وبإمكانات فردية متواضعة. أغلب القراء وأنا واحد منهم، لم نسمع باسم هذا العالم من قبل؛ ولا يعني هذا الشك في علمه، ولكن لماذا لم يكتب عنه بشكل رسمي ومكثف، وهو الذي نستقي معظم مسائل ديننا الفقهية والعقدية من مصنفاته والتي ينقل لنا منها علماؤنا ومشايخنا الأجلاء؟ حيث يذكر لنا شيخنا الشريف الدكتور حاتم، بأن كثيرا من الرسائل الجامعية العلمية في الفقه والعقيدة لدينا، مقتبسة من مجلدات الشيخ النجدي، الدرر السنية؛ حيث يتم إحياء وإعادة إنتاج الأفكار التكفيرية الخاطئة التي وردت فيها، وبثها بين طلبة العلم وطلاب الجامعات الدينية من جديد ويزاد عليها ويعاد.

يقول الشريف، لإحدى صحفنا، بأن المنتفعين من الأخطاء الواردة في مجلدات الدرر السنية، إذا طالبهم أحد من العلماء بمراجعة الفتاوى الواردة فيها وتنقيحها وحذف المتطرف والتكفيري منها، والتي هي تمثل اجتهادات فردية من رجال يخطئون ويصيبون؛ مباشرة يتهمونه بأنه يطعن بالسلفية أو يطعن في ثوابت البلاد. مع كونهم يعلمون عن مكامن الخطأ فيها، ولا يقبلون النقاش أو التباحث حولها. وذلك لكونهم، كما قال، إما مستفيدون منها أو متخوفون على جماهيريتهم بتفنيدها، أو أنهم يكابرون، بإصرارهم على الخطأ؛ حيث استقوا شرعيتهم وجماهيريتهم منها.

واستطرد فضيلة الشريف بقوله؛ إنكار عشعشة الفكر التكفيري والمتطرف، الوارد في هذه المجلدات، هو ما يُبقي هذا الفكر التكفيري المتطرف حيًّا بيننا مهدِّداً لنا في كل لحظة، ليفتك بالعقول، ويجر أبناءنا إلى جحيم الغلو والتطرف. وهذا ما حفزهم وشجعهم للفرار من أحضاننا الآمنة، لديار القتل والذبح والفتنة والفتك والهدم والجزر والتقطيع، في العراق وسورية وقبلهما في أفغانستان والشيشان والبوسنة والهرسك؛ وما سيأتي لاحقاً، ما دمنا نغذيهم بوجوب تكفير وتفجير الآخر، من خلال فتاوى تكفيرية، تصدر من دوائر يجب أن تكون أمينة ومسؤولة عن أمن وأمان شبابنا وبلادنا الغالية.

واتهم فضيلة الشريف، هذا الفريق الذي سمّاه "الداعشيون القعدة"، حيث هم الأكثر شيوعا، فهم "يُزيّنون الدعشنة"، كما قال، "وينتظرون فرصة العمل بها أن تحين، والذين يكتبون معادلة التطرف كاملة، ويتركون ما بعد علامة يساوي (=) فارغاً، ويتركون لشبابنا وضع النتيجة بعدها: لتكون تكفيراً وتفجيراً وخراباً للبلاد والعباد". وأكد على أن نقرأ تقريرات كتبهم في التكفير، حيث سنجد كما أكد: "أن نتيجتها تكفير دولتهم وشعوبهم، لكنهم لا يصرِّحون بذلك، ويتركون التصريح للشباب المندفع بجهل للعمل بالدين وفق ما تعلم".

وأكد فضيلته بأن "استمرار التقريرات الخاطئة في (الدرر السنية) حتى اليوم أمرٌ ظاهر في كثير من الرسائل العلمية، فلم تَمُت تلك الأقوال، ولا تمّ التبرُّؤُ منها ولا بيان مخالفتها للدين وللسلفية الحقة". وقال لنا مؤكداً ما يقوله: "وليس عليكم إلا أن تفتشوا في كثير من فتاوى بعضنا وكتبهم، لتروا حضور تلك الأخطاء في ساحتنا العلمية والفكرية، حتى في الرسائل الجامعية..؟" وتساءل فضيلته تساؤلات ذكية ومنطقية حيث قال: "فإما أن تكون هذه التقريرات في (الدرر السنية) صواباً، وعندها يجب الاعتراف بأن "داعش" تنفذ ما نقرره، وتعمل بما عجزنا عن العمل به. وإما أن تكون هذه التقريرات خطأ، فيجب التصريح بذلك، وبيان البراءة من تلك الفتاوى القديمة التي ما زال بعضنا يستصحبها على المعاصرين".

لكن الشريف رأى الإشكال في أن هذا الفريق: "إنْ أبرزنا لهم الأقوال الدالة على ذلك (وهي حاضرة مجموعة قريبة التناول) اتهمونا بالوقوف مع الهجمة ضد دولتنا، وإن سكتنا عن إبرازها اشتغلوا بإنكارها وتكذيبها وممارسة ألوان من التقية والخداع".

وكمدافع وطني غيور وديني أمين، أعلن فضيلة شيخنا الشريف، بأنه مستعد لإبراز تلك النقول والأقوال، متى ما طلبت منه ذلك الجهات المعنية، وقررت أن المصلحة تقتضي إعلانها. كما أعلن عن استعداده لمناقشة النقول والأقوال التي وردت في مجلدات الدرر السنية، وبيان أخطائها العلمية المخالفة لقطعيات الأدلة. وقال بكل ثقة وشجاعة ووطنية: "أقول هذا وأعلنه، وأنا أعلم خطورة ما أقول، وأعلم أني أخطو خطوات بين حقل من الألغام. لكني أقوله نصحاً لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وأقوله ثقةً بعدل من بيدهم إنصافي من خصومي، وأنهم سيعلمون أن هذا الوقت قد يكون هو آخر وقت للتصحيح. فاللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان".

كلام فضيلة الشيخ الشريف، أعلاه، جاد جداً وخطير جدا بالوقت نفسه، وملفت للنظر والاهتمام أيضاً. كلام فضيلته، يوحي أن لدينا دائرة كهنوت حديدية، لحماية التطرف والتكفير وتغطيته والدفاع عنه وتبريره أو مداراته. لا يجرؤ كثير من علماء الدين المخلصين، اقتحام عوالمها المخيفة أو الاقتراب من أسوارها ناهيك عن اقتحامها. نعم أعلم أن هنالك كهنوت تطرف لدينا؛ ولكنني لم أكن أعلم أو أتصور بأن خطورته، لهذه الدرجة، التي عبر عنها شيخنا الوطني الشريف، وجازف وحمل روحه على راحته الوطنية الشريفة، وقرر اقتحامها لتعريتها وتفكيك قواعدها ومن ثم قذفها ورائنا من دون رجعة.

أنا أتشرف بأن أضم صوتي المتواضع لصوت شيخنا المجلجل الشريف؛ وأقترح تشكيل لجنة رسمية، يتولى هو رئاستها، وينضم معه عدد من علمائنا الوطنيين الشرفاء وهم كثر ولله الحمد والمنة، ويوكل إليهم مراجعة كل تراث ديني أو عقدي، يتداول بيننا على أنه الدين الحق؛ وتنقيحه لجعله مناسبا للعصر ومعطياته، وإخراجنا من دائرة التطرف المغلقة التي تدور وتلف حولنا، وأخذت تخنقنا.