عندما فتح باب غرفة الملابس الخاصة بالمنتخب السويسري كانت قد انقضت 3 دقائق على نهاية المباراة أمام الأرجنتين، وخرج منه المدرب الألماني أوتمار هيتسفيلد وعلامات المعاناة بادية على وجهه، حيث أنه تنفس عميقاً قبل أن يوجه نظره بجمود إلى الأمام.

إنه يعرف ما ينتظره الآن لكنه ومع ذلك وقف بكل ود واحترام أمام الكاميرات والصحفيين الذين كانوا في انتظاره، وخلال حديثه اغرورقت عيناه بالدموع وبدا من الصعب عليه مواصلة الكلام إذ اضطر في الكثير من الأحيان للتوقف والتقاط الأنفاس.

لقد كانت الأيام أو الساعات الأخيرة صعبة للغاية على المستوى العاطفي بالنسبة لهذا الرجل الذي يعد من أعظم المدربين في تاريخ كرة القدم العالمية.

ولم يكن هدف المباراة الوحيد الذي سجله آنخل دي ماريا في الدقيقة 118 يعني فقط خروج سويسرا من منافسات كأس العالم في البرازيل 2014، لكنه كان يعني أيضاً نهاية مشوار هيتسفيلد.

علاوة على ذلك، كان ابن الـ65 قد تلقى عشية المباراة صدمة قوية بوفاة أخيه الذي كان قريباً منه جداً في وطنه.

غير أن هيتسفيلد وبالرغم من الحزن الذي لم يستطع إخفاءه تمكن من استجماع قواه وأرسل إلى أرض الملعب فريقاً كان قاب قوسين أو أدنى من إقصاء منتخب الأرجنتين بقيادة ليونيل ميسي.

كانت مباراته الأخيرة على قدر كبير من التشويق والإثارة. وكان هيتسفيلد قد تابع كل المباراة تقريباً من الجانب الأيسر للمنطقة الخاصة بالمدرب حيث أبقى معظم الوقت يديه مشتبكتين لكنه كان دائماً يحاول تحفيز فريقه وتنظيم صفوفه. كما حاول أيضاً قبل وأثناء فترة الراحة ما بين الشوطين الإضافيين التحدث إلى اللاعبين وتوجيههم إذ بدا كما لو أنه كان يعلم أنه وجد الوصفة الفعالة للإجهاز على هذا الخصم، وهو أمر لطالما ميز بشكل خاص مساره التدريبي. كان ابن مدينة لوريش الألمانية معروفاً بمعرفته التكتيكية الواسعة. فهو يستعد بكل اجتهاد ومثابرة لكل خصم يواجهه. وقد وصفه ميشيل بونت الذي رافقه لسنوات طويلة كمساعد لدى المنتخب السويسري في حديثه لموقع "فيفا" قائلا "إنه مهووس حقيقي بالكمال."

وقد عمل ميشيل منذ 6 سنوات إلى جانب هيتسفيلد وهو معجب كثيراً بالجنرال حيث أوضح بالقول "إنه شخصية عظيمة. ولديه فلسفة حياة رائعة تحتل فيها كلمة الاحترام مكانة هامة. كما يمنح لاعبيه كثيرا، وهم دائماً ما يقولون أنهم لم يسبق لهم أن عاشوا تجربة كهذه."

وهو ما يؤكده لاعبو فريقه أيضاً، فقد أفصح هاريس سيفيروفيتش مثلاً بخصوص مدربه خلال حديثه لموقع "فيفا" "إنه إنسان جيد للغاية ونحن جميعا نكن له احتراما شديدا. حتى عندما يبقيني على دكة الاحتياط أقول في نفسي دائماً أنه يعرف ماذا يفعل. إننا ندين له بالكثير. لقد نجح في إحداث التغيير وتمكن من بناء الفريق بنا نحن اللاعبين الشباب." ويعود الفضل لهيتسفيلد في تأهل سويسرا إلى مباراة دور الستة عشر هذه. فقد تمكن منذ عام 2008، عندما رحل عن المنتخب لاعبون كبار مثل أليكسندر فراي، من تكوين فريق جديد.

مدرب أسطورة يرحل

جميع اللاعبين دون استثناء يكيلون المديح والثناء للمدرب "جوتمار" كما تلقبه وسائل الإعلام أيضاً. وفي جميع الأحوال يعد من المنطقي أن ينتهي مشواره التدريبي اللامع والحافل بالإنجازات بمواجهة تاريخية من هذا النوع.

وبإمكانه الشعور بالفخر إذا ألقينا نظرة على محطاته التدريبية ونجاحاته العظيمة. ومباشرة بعد نهاية مسيرته الاحترافية كلاعب تحول عام 1983 لمزوالة مهنة التدريب. وبعد تنقله عبر آراو وزيوريخ تمكن من قيادة كل من بوروسيا دورتموند وبايرن ميونيخ قبل أن يتولى في نهاية المطاف عام 2008 الإشراف على الإدارة الفنية لمنتخب سويسرا.

وكان قد توّج بالبطولة السويسرية مرتين وبلقب الدوري الألماني 7 مرات وأحرز لقب دوري أبطال أوروبا وكأس العالم للأندية في مناسبتين، وأينما حل يرسخ اسمه في الذاكرة. ولغاية اليوم ترفع بانتظام لافتة "أوتمار هيتسفيلد، أنت الأفضل" في معقل العملاق البافاري في مدينة ميونيخ. لم يصبح هيتسفيلد محبوباً من طرف الجميع بفضل نجاحاته الكبيرة فقط لكن أيضاً من خلال بعض العلامات التي كانت تميزه، وهنا يستحضر المرء في الغالب المعطف الطويل الذي كان يحمله في معظم الأحيان عند حضوره على جانب المستطيل الأخضر.

وحتى مساعده يتذكر تلك الفترة التي اشتغل فيها إلى جانبه فقد أوضح بونت بقوله "عندما أعود بذهني إلى الوراء أستحضر الكثير من اللحظات الفريدة. لكن ما كان يبهرني أكثر هو أنه كان يقوم دائماً بتدوين كل شيء. ولم يعمل أبداً بالتقنيات الحديثة. فقد كان يحمل معه على الدوام قلم الرصاص ومذكرة حيث كان يقوم بتحليل وتدوين كل شيء."