كتبت في السياحة كثيراً، وأثنيت على بعض الجهود فيها.. وهناك بلا شك جهود تبذل وجهود ناجحة ومحاولات للتخلص من البيروقراطية في هيئة السياحة.. لكن كل ذلك لا يبدو أنه أقنع الداخل بالسياحة الداخلية.. فمع انغلاق السياحة في الدول العربية، بسبب ما تشهده من أحداث كان المفروض أن نتنبه لتبعات ذلك فيما يخص بعض الأمور ومن ضمنها السياحة.. كان لا بد أن يكون هناك تسويق على مستوى عال يتخلله مضمون سياحي مقنع يجعل الداخل يقتنع به ويقرره كبديل لسياحته في الأماكن المعطلة.. كان المفروض أن يتم ذلك نتيجة دراسات ينتج عنها تحرك جهد لاحتلال المساحات الغائبة وتوجيه الناس إلى الداخل.. هذا لم يتم فماذا حصل؟ حصل أن توجه الناس إلى تركيا بشكل ملفت ورأينا تجمعات للخليجيين في زيلامسي والهايد بارك حتى على وجبات إفطار في رمضان.. وكان هذا شيئا مؤسفا.

أنا هنا لا أريد أن يفهم من كلامي أنني لا أريد الناس أن يختاروا وجهة سياحتهم بحرية، لكنني أريد أن تكون هناك من الخدمات ومن التسويق ما يقنع الناس بالسياحة الداخلية..عامل الطقس لم يعد العامل الوحيد الذي يضمن صناعة سياحية ناجحة.. اسألوا الذين يسافرون للسياحة في مناطقنا السياحية (الطائف - الباحة - وأبها) هل نجحت السياحة عندنا؟ لا يمكن أن نعرف إلا بإعداد دراسة بأسلوب 360 درجة للاستكشاف وإعداد الخطط والاستراتيجيات ذات العلاقة بالسياحة. وتحديد أبرز الخطوات والتحديات والمؤثرات المحلية والعالمية. والاطلاع على التجارب الدولية المميزة وتجيب الدراسات عن أسئلة على هذا النحو:

- ماذا يريد المجتمع بكافة مستوياته من السياحة؟

- ما هي المقومات الأساسية التي تضمن سياحة ناجحة تلائم بيئتنا؟

- ما هي المعوقات الأساسية لنجاح السياحة؟

- كيف يمكن مساعدة المشتغلين بالسياحة على النجاح والاستمرار في العمل في مجالها وعدم تركها بعد تجارب سلبية وكيف يمكن تفادي مثل تلك التجارب؟

- كيف يمكن تشجيع مشتغلين جدد بالسياحة وتوظيف مزيد من رؤوس الأموال في هذا القطاع؟

- هل تم استثمار كل الأماكن المؤهلة للاستثمار السياحي وبالسرعة الممكنة... وما هي عوائق بطء الاستثمار في مثل هذه الأماكن؟

- كيف يمكن أن نغير وجهة السائح السعودي والعربي إلى السياحة الداخلية؟

- كيف يمكن استقطاب سائحين من دول العالم؟


كل هذا لا يمكن أن يأتي مصادفة. في نظري لا بد من استراتيجية شاملة تأخذ كل ما ذكرته أعلاه في عين الاعتبار.

إذا لم نتمكن من الإجابة عن تلك الأسئلة بوضوح وشفافية لا أظننا نستطيع أن نقنع بالمستوى الذي نريده بالسياحة الداخلية.

نسمع عن سائحين يعودون بعد زمن قصير لأنه لا شيء يستحق المكوث أكثر.

ونسمع عن سائحين يفرون من الغلاء.

ونسمع ونسمع.

ونحتاج إلى إجابات مبنية على دراسات علمية تحدد الواقع وترسم المستقبل.

إجابات ترتقي بمستوى السياحة وتفتح مجالات جديدة وتستقطب مشتغلين جددا.

هل درسنا وقومنا المهرجانات السياحية وما تتضمنه من برامج؟

هل المهرجانات هي كل ما يريده السائح؟

كم نسبة الاستقطاب التي تحققه تلك البرامج؟

قد نكتشف أننا نصرف نسبة كبيرة من الوقت والجهد والمال، على أمور تحقق نسبة ضئيلة من النجاح وقد لا تحقق أي نجاح. وقد تكشف لنا الدراسات أن هناك جزئيات أهملناها وهي العامل الأساسي للجذب. وأنا هناك أتحدث آخذاً في الاعتبار البيئة السعودية الإسلامية.

في بعض المنتجعات في بعض الدول يمتطي السائحون سفينة كبيرة فيها مطاعم تبحر بالسائحين لمدة 4 أو 5 ساعات، يستمتعون فيها برحلة بحرية جميلة. يمارسون هواية صيد السمك. أو يستمتعون بوجبة شهية في وسط البحر.

وهناك في ببعض الدول يذهب السائحون إلى إحدى الجزر لقضاء يوم كامل لممارسة بعض الألعاب الرياضية أو السباحة. وأتساءل عن التأخر في استثمار الجزر الكثيرة لدينا.

وأعرف أنها جزر تتمتع بشواطئ غاية في الجمال من حيث تربتها وماؤها.

على شواطئ منطقة تبوك على سبيل المثال، هناك أماكن ساحلية قمة في الجمال، وأتساءل ـ وغيري يتساءل ـ لماذا لا تستثمر سياحياً؟

هل نحتاج استصدار مزيد من الأنظمة، هل نحتاج لتشجيع المستثمرين بالمال أو بعقود طويلة أو بشراكة حكومية تضمن رأس المال والنجاح أو بتخفيض سعر الإيجار لا أدري.

إنها أسئلة تطرح، أكثر من كونها إجابات تقدم. وأنا أعرف أن سمو رئيس الهيئة الوطنية للسياحة يمتلك في الهيئة مركزا للبحوث يمكنه من إعداد دراسة نوعية تأخذ كل ما تقدم في الحسبان. ولا أظننا ـ بغير ذلك ـ نستطيع الحصول على صناعة سياحية بالمستوى الذي يمكننا أن نقنع فيه الناس بالسياحة الداخلية.

وخلاصة القول.. أن لدينا من مقومات السياحة النظيفة ما يكفل استقطاب أعداد هائلة من السياح من جميع أنحاء العالم، إذا تم استثمار مواقعنا وجزرنا وآثارنا السياحية، وكانت هناك تسهيلات لرجال الأعمال في تملك واستئجار المواقع.. فما زالت إجراءات الاستثمار لدينا مليئة بالبيروقراطية الكفيلة بضمان عزوف المستثمرين ولجوئهم إلى مجالات أكثر عائداً وأقل بيروقراطية..

هل نستمر في طرق الموضوع كل عام دون نتيجة؟ لا بد من دراسات نعرف من خلالها ماذا يريد السائح في الداخل؟ وكيف نقنعه بتغيير توجهه إلى الداخل؟ هناك وزارات عديدة لا بد أن تعرف أن ممارساتها وبيروقراطيتها هي السبب في العزوف.. توجيه السياحة للداخل له مردودات كثيرة على الوطن وعلى المواطن من نواح عديدة اقتصادية واجتماعية وغيرها.. وهي تستحق أن نبذل جهوداً كبيرة في النجاح في توجيه السياحة للداخل.