الجواب على السؤال، من وراء مجزرة أهلنا في الدالوة؟ يجب أن لا يكون الإرهابيين فقط، وهل هم من داعش؟ أم النصرة؟ أم القاعدة، أم من أي توحش إرهابي آخر لم "نتقرف" بسماع اسمه بعد. حيث يدرك ذلك أي إنسان متواضع الذكاء والخبرة؛ وعليه فالبحث فيه، من غير رجال الأمن، يعتبر عبثاً، أو تهرباً من القبض على الفاعل الخفي؛ الذي إمعاناً في التخفي، قد يتباكى هو نفسه على ما حصل، ويلعن مرتكب الجريمة المباشر؛ من باب التقية أو الهروب من المشكلة للأمام.

الجواب على من وراء مجزرة أهلنا في الدالوة؟ هو من سوغ للقتلة الذين قاموا بارتكاب جرمهم المخزي والبشع واللا وطني واللا إنساني هذا بحق أهلنا في الدالوة وبدم وقح بارد، وهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً؟ المجرمون الذين نفذوا المجزرة ليسوا إلا أدوات قذرة نفذت بدم بارد ومتوحش أجندة من كانوا يشيطنون الشيعة وينادون بعزلهم عن باقي المجتمع ومحاصرتهم، والتشكيك بوطنيتهم ونسبهم وانتمائهم للوطن وحتى التشكيك بإنسانيتهم وصفاء نيتهم. وأحدهم؛ وهو إمام وخطيب وصاحب حلقة درس دينية كبيرة بجامعه؛ طالب علناً وتصريحاً، بتحويلهم بالقوة للمذهب السني أو طردهم من البلد!

ومن نادوا بذلك، كالطائفي الأشر أعلاه، نادوا بدون أي مواربة، وبأسمائهم الحقيقية ومناصبهم التي يتقلدونها، وبوضع صورهم كذلك "شاهر يا ظاهر". وأنا لا أشير هنا لخفافيش الظلام، بل لخفافيش النهار، ومنهم دكاترة يحاضرون في جامعات مرموقة، ومحامون، يدعون أنهم نشطاء في حقوق الإنسان وكتاب، منهم أساتذة دكاترة؛ ناهيك عن وعاظ الفتنة وأئمة المساجد والجوامع؛ الذين لا يراعون لا حرمة للوطن ولا للإنسان بشكل عام.

إن القتلة، الذين يرتكبون جرائمهم لأسباب دينية أو مذهبية، على طول التاريخ ما هم في الأول والأخير إلا أدوات تنفيذ، تمت تعبئتهم من قبل منظرين، شرعنوا لهم فعل القتل والجزر بالأبرياء؛ الذين لا ناقة لهم في أي أحداث ولا جمل؛ سوى كونهم ينتمون دون خيارهم لذاك الدين أو المذهب. إن عقيدة التقرب إلى الله، بدم المخالف هي عقيدة خاطئة، لا يختص بها دين معين أو مذهب معين. والقتلة لا يحددون هم من يجب أن يقتلوهم للتقرب بدمهم إلى الله؛ وإنما يحدد لهم ذلك دهاقنة الموت والخراب. وذلك بداية بتحديد الضحية ثم إقصائها وشيطنتها، ونزع سمة الإنسانية عنها؛ حتى يأتي القتلة وينفذون وحشيتهم بكل دم بارد وراحة ضمير، بتصفيتهم عن الوجود.

أحد قادة الخوارج الميدانيين في العصر الأموي؛ دخل هو وقتلته قرية مسلمة وجزروا جميع أهلها وحتى أطفالهم. ولما سأله أحد قادته، عن سبب جزر الأطفال؟ رد عليه بالآية الكريمة "لا يلدوا إلا فاجراً كفارا". أي بأن هنالك من فصل الآية الكريمة له عن سياقها ووجهها حيث يريد. أي أنه فعل ذلك، حسب تعبئة دينية متوحشة. ولا يقوم بالتعبئة الدينية، سواء كانت متحضرة أو متوحشة، إلا من يلبس عباءة الدين.

وأصحاب الأجندات السياسية المتهافتة والساقطة، هم أول من يلوذ بالطائفية، ليحشدوا حولهم الأشياع والمناصرين من الجهلة والغوغائيين وحتى المجرمين. فالفكر المتهافت الهزيل، الذي لا يصمد أمام النقاش والجدل ويتصادم مع إنسانية البشر؛ هو المولد الطبيعي للعنف والتوحش. إن الطائفي هو أكبر خطر على مجتمعه؛ ولذلك فهو يبرر وجوده ويسوق لوحشيته عن طريق اختلاق أخطار تحيق بالمجتمع، ومن ثم يبرز نفسه المنقذ له من هذه الأخطار المحدقة.

الطائفي، ممنوع من التحدث عن الأخطار الخارجية، لأن ثقافته لا تؤهله لذلك؛ ولذلك فهو يبحث عن خلق أخطار وهمية داخلية تحيق بالمجتمع، وتجد صدى لدى عامة الناس، حيث التراث التاريخي والديني قد جهز لاوعيهم، لقبول ذلك. ولذلك فتشوهه النفسي يقوده مباشرة لاختراع وخلق الأخطار التي من الممكن تسويقها كأخطار تحيق بمجتمعه. ولا تأتي الأخطار الداخلية لأي مجتمع، إلا من قبل فئة من فئات المجتمع الذي يعيش فيه الطائفي والتي لا تنتمي إما لدينه أو مذهبه. وبما أن الطائفية موجودة منذ قدم التاريخ، تعبث بأمن وسلامة المجتمعات؛ فلها أدبياتها التراثية المتراكمة بالأطنان في المكاتب الصفراء. أي بأن الطائفي لن يجد عناء في البحث والتفكير في كيل التهم للمخالف؛ وما عليه فقط إلا حفظ الخطاب الطائفي بغباء جم، حيث لا يحتاج لأدنى درجات الذكاء؛ وترديد ما يحفظ أمام العامة والبلهاء. الطائفي يستبيح، بل يحلو له، نشر الأكاذيب والتهم والتشويه للمخالفين له، ويعتبر نفسه بذلك يتقرب إلى لله أو غايته زلفى.

الطائفي أخطر مكونات الخطر على مجتمعه؛ حيث هو يسعى لتفتيته ونشر الكره والحقد فيه. حيث هو يخلق فيه مناخ الشحن والتجييش من أجل إعداده وتهيئته لحرب أهلية تستعر، لا تبقي ولا تذر. وعليه يهيئ الطائفي نفسه ليتقلد منصب أحد مشايخ أو أمراء الحرب فيه وهذا غاية ما يطمح إليه ويصبو إلى تحقيقه. والطائفي كالجرثومة، لا يحيا إلا وسط بيئة متجرثمة، صالحه لنموه وتكاثره؛ لكنه كذلك كالجرثومة، لا يستطيع العيش، أو النمو في بيئة معافاة وصحية.

المجتمع الذي لا يحمي نفسه من الطائفية، بالقوانين والأنظمة الرادعة لكل طائفي، يخشى عليه بأنه قد مضى أبعد من اللازم في الطائفية، حيث لا يستطيع الرجوع عنها، بسبب تلطخه حتى النخاع في مستنقع الطائفية. ولا يبقى عليه إلا أن يتوقع تفجر الفتن فيه في أي لحظة ومن كل حدب وصوب. تلاحم وتكاتف وتراحم المجتمعات؛ هو دليل قوة وشجاعة هذه المجتمعات؛ وهو ذخر صمودها في السلم والحرب. الطائفية هي الجمر تحت الرماد، فقط تنتظر من ينفخ فيها من الداخل أو الخارج، لتستعر وتحول كل ما حولها جهنم ملتهبة.

إن دماء شهدائنا التي سفكت في مجزرة الدالوة، ودماء شهدائنا من رجال أمننا البواسل؛ لهي أطهر وأقدس من أن تذهب هدراً وسدى، كما يعتقد الإرهابيون وقبلهم الطائفيون، الذين سوغوا لهم مثل هذه الفعلة الشنيعة بحق إنسانيتنا ووطننا. يجب أن تكون هذه الدماء الطاهرة دافعا ضاغطا علينا لأخذ خطر الطائفية بالجدية التي تستحقها؛ وعليه ردع كل طائفي من خفافيش النهار، قبل خفافيش الليل وكف خطرهم عنا. ولا يتسنى ذلك إلا بسن قوانين واضحة وجلية، ولا تحتمل أي تأويل، بتجريم الطائفية قولاً أو فعلاً، وكما قيل "من أمن العقوبة أساء الأدب".

شكراً لغالبية شعبنا النبيل، سنته وشيعته، على تلاحمهم بشجب مجزرة الدالوة واعتبارها مجزرة للوطن، كل الوطن، على مختلف فئاته ومكوناته. شكراً لغالبية شعبنا النبيل الذين أثبتوا أنهم على مستوى المسؤولية في حماية الوطن من الأخطار الداخلية قبل الخارجية. ألا يستحق دعم هذا الشعب النبيل، حمايته بقوانين رادعة، بل ومهلكة لكل طائفي أشر، من خفافيش النهار، قبل خفافيش الليل؟