"إننا ندعوكم لتبني نهج سياسي إقليمي وبدء مفاوضات مع الدول العربية المعتدلة ومع الفلسطينيين (في الضفة الغربية وقطاع غزة، أيضاً) على أساس مبادرة السلام السعودية العربية..."

رسالة موقعة من أكثر من 100 من ضباط الجيش والشرطة والمخابرات الإسرائيلية إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في 1 نوفمبر 2014

كان هاجس وسائل الإعلام الإسرائيلية والأميركية الأسبوع المنصرم، مركزاً على الهجوم الذي تلقاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من قِبل مسؤول رفيع المستوى في إدارة أوباما، لم يذكر اسمه، لكن بعض الإسرائيليين يعتقدون أنها مستشارة الأمن القومي، سوزان رايس. وظهر التعليق المهين الموجه لرئيس الوزراء صاحب اللقب المألوف "بيبي"، في عمود صحفي نشر على نطاق واسع للقراءة من قبل الصحفي الموالي لإسرائيل جيفري جولدبرج في مجلة "أتلانتك" الشهرية، في مقال بعنوان "الأزمة في العلاقات الأميركية-الإسرائيلية".

وركزت الإهانة على رفض "بيبي" الجبان الانسلاخ من الجناح اليميني المتطرف من حزب الليكود وشركائه في التحالف، بمن فيهم الوزير نفتالي بينيت، لإيقاف الزيادة المطردة في المستوطنات. ويعني خوف نتنياهو من شركائه في الائتلاف اليميني أنه تخلى عن أي احتمال للتفاوض على اتفاق سلام يؤدي إلى إقامة الدولتين الآمنتين وإنهاء النزاع المستمر بين إسرائيل وفلسطين، بصفة خاصة، وبين العرب وإسرائيل بصفة عامة.

هناك شيء أكثر تدميراً لنتنياهو والجناح اليميني المتطرف بسبب شتائم المسؤول الأميركي في إدارة أوباما، ألا هو الرسالة المفتوحة الموجهة لرئيس الوزراء نتنياهو من 106 من الجنرالات الإسرائيليين المتقاعدين وقادة الموساد والشرطة الوطنية السابقين، التي طالبوا فيها نتنياهو بأن يبذل جهداً صادقاً للتوصل إلى حل الدولتين مع الفلسطينيين على أساس مبادرة السلام العربية لعام 2002، التي أطلقها ولي العهد السعودي آنذاك، والملك الحالي عبدالله بن عبدالعزيز، علماً بأن تلك الخطة قد أقرتها الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.

لقد تجاهلت إسرائيل بشكل قاطع تلك المبادرة الشاملة لأكثر من عشر سنوات، وبدلاً من ذلك شنت ثلاث حروب جوية وبرية على قطاع غزة، قُتل فيها المئات – إن لم يكن الآلاف- من النساء والأطفال الأبرياء، كما قُتل واعتقل المئات من الفلسطينيين الفتيان والرجال في الضفة الغربية. ويقول هؤلاء الضباط الإسرائيليون "كفى سفكا للدماء". وليس من قبيل الصدفة أن جاءت الرسالة التي نشرت في سلسلة من إعلانات الصحف العبرية متزامنة إحياء ذكرى وفاة رئيس الوزراء السابق إسحاق رابين، الذي اغتيل في نوفمبر 1995 من قِبل إيجال عامير، وهو مستوطن إرهابي يهودي من نفس عقلية القتلة الذين تتم محاكمتهم الآن بتهمة تعذيب وقتل الشاب الفلسطيني محمد أبو خضير في القدس يوليو 2014.

قال رئيس الوزراء رابين، الذي وقف في البيت الأبيض في سبتمبر 1993 مصافحاً الزعيم الفلسطيني ومؤسس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات.. قال كلمات مشهورة في ذلك الوقت، أمام البرلمان الإسرائيلي: "نحن الذين قاتلوا ضد الفلسطينيين، نقول لكم بصوت عال وواضح "كفى دماء وكفى دموعاً... إننا شعب مثلكم، شعب يريد بناء وطن، وزراعة شجرة، ويريد أن يحب وأن يعيش جنباً إلى جنب معكم في كرامة، وفي ألفة، كبشر، وكرجال أحرار. نحن اليوم نعطي السلام فرصة، ومرة أخرى نقول لكم بصوت واضح: كفي سفكا للدماء... لقد حان وقت السلام".

لكن الإرهابي اليهودي عامير اغتال رابين وأغرق تلك الأفكار والكلمات المشهورة في دمائه. فلقد حان الوقت الآن لإحياء تلك الأفكار.

في الوقت الحاضر، اطلقت مبادرة غير مسبوقة في الأسابيع الأخيرة من قِبل اللواء أمنون رشيف، الذي قال لصحيفة "يديعوت أحرونوت" في 31 أكتوبر الماضي إنه سئم من واقع جولات من القتال عاماً بعد عام، بدلاً من القيام بجهد حقيقي لاعتماد المبادرة السعودية. وجاءت مبادرته دعماً لنداء وزير العلوم الإسرائيلي ، المدير السابق لجهاز الأمن "شين بيت"، يعقوب بيري، الذي دعا إلى إحياء مبادرة السلام العربية خلال حرب غزة في صيف 2014.

نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إحدى أكبر الصحف الإسرائيلية، ترجمة لجزء من رسالة الجنرالات لرئيس الوزراء نتنياهو، فيما يلي نصها:

"نحن الموقعين أدناه، احتياطي قادة الجيش الإسرائيلي وضباط الشرطة والاستخبارات المتقاعدين، الذين حاربوا في الحملات العسكرية الإسرائيلية، إننا ندرك الثمن الباهظ والمؤلم الذي تفرضه الحروب.

"لقد قاتلنا بشجاعة لهذا البلد، على أمل أن يعيش أطفالنا هنا في سلام، لكن حصلنا على اختيار صعب، فها نحن نوجه أطفالنا مرة أخرى للخروج إلى ساحة المعركة، ونشاهدهم يرتدون الزي الرسمي وسترات القتال والخروج للقتال في عمليات وقائية محفوفة بالمخاطر...

نحن في خضم أيام تذكارية بمناسبة حرب يوم الغفران، وهي الحرب التي نبعت من العمى السياسي للقيادة الإسرائيلية. ونحن نعتقد أنه باتباع عمى سياسي مماثل سنحبط الفرصة التي أمامنا. لذا ندعوكم لتبني نهج سياسي إقليمي وبدء مفاوضات مع الدول العربية المعتدلة ومع الفلسطينيين (في الضفة الغربية وقطاع غزة، أيضاً) على أساس مبادرة السلام السعودية العربية، كما هو مقترح لإسرائيل من الرئيس المصري عبدالفتاح السياسي في المؤتمر الدولي الأخير في القاهرة، والأمير السعودي تركي الفيصل في يوليو الماضي.

هذه ليست مسألة من اليسار أو اليمين، فما لدينا هنا هو خيار بديل لتسوية الصراع الذي لا يستند فقط على المفاوضات الثنائية مع الفلسطينيين، التي فشلت مراراً وتكراراً ... إننا نتوقع أن تظهر مبادرة شجاعة بقيادتك، قيادة تجعلنا نقف خلفك".

وهكذا، فإن نخبة من المسؤولين من حكومته ومن الحكومات السابقة وغيرها تدعو "بيبي" لتحقيق السلام من خلال دولتين جنباً إلى جنب، مع الفلسطينيين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، ومع الدول العربية المعتدلة في المنطقة.

لقد وعد بعض الموقعين على رسالة السلام أيضاً، بأنه بحلول ربيع 2015، سيُنظمون مظاهرات احتجاج يشترك فيها ما بين 200 ألف إلى 300 ألف إسرائيلي للدعوة إلى السلام والاحتجاج ضد ما قام به نتنياهو.

لقد حان وقت الاتفاق، "فكفى سفكاً للدماء ثم كفى".