في 4 نوفمبر الماضي، تسبب الرئيس الأميركي باراك أوباما في خسارة مدمرة لحزبه في الانتخابات النصفية للكونجرس الأميركي، حيث كسب الحزب الجمهوري ما لا يقل عن سبعة مقاعد في مجلس الشيوخ، إضافة إلى مرشح آخر عليه مواجهة جولة ثانية من الانتخابات. ومن المتوقع أن تترأس لجان مجلس الشيوخ بعض أسوأ منتقدي الرئيس أوباما. وفي صباح اليوم التالي للانتخابات وصف بعض المطلعين في واشنطن نتيجة الانتخابات بأنها "عقاب سياسي للرئيس أوباما".

لقد كان مستوى أداء أوباما خلال زياراته الأخيرة للصين وماليزيا وأستراليا، أقل من ممتاز. ولدى عودته، واجه أوباما بيئة معادية له، سواء من المعارضة، أو من أعضاء حزبه المرشحين الذين خسروا الانتخابات ويلقون باللوم على أوباما الذي تسبب في سحبهم إلى الأسفل. لقد هرب من أوباما أولئك الذين صوتوا له في عام 2008. كما سئم الناخبون من خطبه التي لا تحقق السياسات التي تساعدهم. وبقي الشباب، الذين صوتوا لأوباما في جماعات حاشدة عام 2008 وتطوعوا لحملته الانتخابية، في منازلهم. فلقد كان هؤلاء الشباب يأملون في وضع حد للحرب في أفغانستان والعراق التي تكلف مليار دولار أسبوعيا، واعتبروا أن إنهاء الإنفاق العسكري يمكن أن يترجم إلى فرص للعمل الذي يحتاجونه بشدة. ويبدو أن الإنفاق العسكري لن ينتهي، وها نحن الآن مع حرب أوباما المُعلنة ضد تنظيم داعش، وبالتالي بدأت دورة أخرى من الإنفاق على الحرب تتسارع. كما أن الأقليات، خاصة الأميركيين من أصل أفريقي، لم تتحرك إلى التصويت لصالح الديموقراطيين، بمثل تلك الأعداد التي شوهدت عام 2008. لقد أمضت تلك الأقليات السنوات الست الماضية بخيبة أمل، زيادة على أن مستوى معيشتها لم يشهد تحسنا يُذكر.

في يوم 19 أكتوبر الماضي، كتبت كاتبة العمود الليبرالية بصحيفة "الواشنطن بوست"، دانا ميلبانك، مقالا بعنوان "الرئيس المنبوذ"، قالت فيه: "لقد أصبح أوباما رئيسا منبوذا خلال الأسابيع الماضية التي جرت فيها انتخابات التجديد النصفي 2014، حيث إن المرشحين الديموقراطيين الضعفاء صاروا لا يطيقون النظر إليه. وفي 5 نوفمبر، بعد أن خسر الديموقراطيون أغلبيتهم في مجلس الشيوخ، نشرت صحيفة التابلويد الشعبية "نيويورك بوست" كاريكاتيرا ملونا بحجم صفحة كاملة يُظهر أوباما بوجه متهجم مرتديا برميلا خشبيا، وتاج إمبراطور، مع شرح يقول: إمبراطور يفقد ملابسه، بسبب تسونامي الانتخابات النصفية، نتيجة لسيطرة الحزب الجمهوري على مجلس الشيوخ الأميركي.

وماذا بعد؟ في الجبهة الداخلية، لقد انتهى أوباما سياسيا، وبالتالي أصبح ليس هناك حوار فاعل بين البيت الأبيض والكونجرس الجمهوري. وربما تعرض أوباما لمواجهة يمكن أن تؤدي إلى إثارة مشروع قانون لإقالته، إذا هدد أو استخدم "أوامر تنفيذية" لإصدار قوانين موقتة تسمح للأجانب، الذين يقيمون في الولايات المتحدة بصورة غير شرعية، بالبقاء فيها دون تأشيرات.

أما القضية الكبرى فتتمثل في السياسة الخارجية، فحرب أوباما على تنظيم داعش تتعرض للهجوم في الولايات المتحدة من جوانب عدة، حيث يقول المتشددون الجمهوريون، مثل جون ماكين وليندسي جراها، الذين يسيطرون على لجان رئيسة في مجلس الشيوخ، إن حربه على داعش بدأت بعد فوات الأوان، وكان عليه أن يبدأها بإزالة بشار الأسد من السلطة. ويقول أعضاء آخرون من مجلسي النواب والشيوخ وعدد كبير من أعضاء الحزب الديموقراطي إن أوباما يحتاج إلى قرار من الكونجرس لخوض الحرب التي كلفت بالفعل مئات الملايين من الدولارات. ويريد آخرون في قاعدة أوباما الليبرالية خروج الولايات المتحدة من العراق تماما ويصرون على أن القوى الإقليمية في الشرق الأوسط يجب أن تحل مشكلاتها بنفسها، لأنه من المستحيل بالنسبة إلى الغرب، خاصة الولايات المتحدة، التدخل بنجاح لتسوية الحرب بين المقاتلين الإسلاميين. كما حذر الجيش الأميركي، خاصة وزير الدفاع تشاك هاجل، قبل استقالته، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي، حذرا من تردد الرئيس بشأن إيجاد استراتيجية لتوحيد البلاد وراء عملية عسكرية حيوية.

وبالنسبة إلى إيران، فهناك ضغوط مماثلة على أوباما، إذ يصر المطلعون في البيت الأبيض على أنه يجب عليه الوصول إلى اتفاق مع إيران لإيقاف برنامجها النووي. لذا، فإن التفكير يرتقي إلى أنه إذا كان بالإمكان إقناع المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بأن يقرر الموافقة على شروط أوباما السخية، فلن يكون هناك شيء على المدى القصير يمكن أن يقوم به المتشددون في مجلس الشيوخ لمعارضة البيت الأبيض. ويعتزم أوباما استخدام سلطاته الرئاسية الخاصة بالعقوبات التي لا تتطلب موافقة الكونجرس لإزالة القيود المفروضة على البنوك الإيرانية وعلى العمليات العسكرية والتجارية.

في الوقت نفسه، فإن المتشددين الجمهوريين، الذين انضم إليهم بعض الديموقراطيين، مثل روبرت مينينديز من ولاية نيو جيرسي، سيستمرون في محاولاتهم لتمرير القوانين التي تفرض مزيدا من العقوبات على إيران. وستحظى هذه القوى السياسية بالدعم في جهودها ضد إيران من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة. وبما أن معارضي الكونجرس ليست لديهم القدرة على تحريك أوباما ضد إيران، إلا أنهم يأملون في أن تكون الضغوط السياسية مجتمعة على أوباما، فضلا عن موقفه الضعيف، سببا في تغيير اتجاهه من إيران.

أما عن العراق، فإن قيام تنظيم داعش بقطع رأس الرهينة الأميركي الأول قبل نحو شهرين، ثم قتل رهينة أخرى بيد التنظيم نفسه، قد وضع البيت الأبيض في حالة من الذعر، أجبرته على مراجعة سريعة لـ"سياسة أميركا في شأن الرهائن".

وبالطبع، هذا ليس هو الوقت المناسب لرئيس الولايات المتحدة أن يواجه في الكونجرس عددا من التحقيقات الخطيرة، مثل مقتل السفير كريس ستيفنز في ليبيا يوم 11 سبتمبر 2012، والاختلاف حول وثائق البيت الأبيض السرية عن نشاط وكالة الأمن القومي بشأن تجارة الأسلحة إلى المكسيك، وتجسس وكالة المخابرات المركزية الأميركية على مجلس الشيوخ الأميركي بهدف إيقاف التحقيق حول تعذيب الوكالة للسجناء في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001.

في وقت مبكر من رئاسة أوباما تسبب البيت الأبيض في إثارة غضب كبار المستشارين، مثل وزير الدفاع روبرت جيتس ومستشار الأمن القومي المتقاعد الجنرال جيم جونز، بإصراره على أن كل قرار يتعلق بالسياسة الخارجية يجب أن يحكم فقط من خلال الانتخابات المحلية. وبالتالي أصبحت كل السياسات المحلية، مجرد شعار للبيت الأبيض، وأصبح واقع التصور يحتل المقعد الخلفي. وهذا النوع من التفكير جعل حلفاء الولايات المتحدة يتعجبون ويتساءلون عن اتجاهات والتزامات الولايات المتحدة التي أصبحت تزداد سوءا.