في الأسبوع الماضي، أشارت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماري هارف، إلى أن إدارة أوباما تراقب بقلق بالغ كل خطوة يخطوها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وجاء تصريحها عندما كانت تتحدث عن الهند التي تستضيف الرئيس بوتين هذا الأسبوع. وقالت هارف: "لقد أوضحنا أن الوقت غير ملائم لبلاد العالم أن تعقد اتفاقات اقتصادية مع روسيا، ولقد نقلنا هذا الرأي لحلفائنا وشركائنا في جميع أنحاء العالم"، ولكن هل هؤلاء "الشركاء" والشعوب "في جميع أنحاء العالم" سيستجيبون؟

إذا نظرنا إلى سياسة عقوبات أوباما ضد روسيا من وجهة نظر اثنين من حلفاء "الناتو" الأقويا ـ ألمانيا وتركيا ـ فسنرى أن الإجابة عن هذا السؤال غير مطمئنة للرئيس أوباما.

تصر واشنطن على أن روسيا معزولة، لكن إدارة أوباما هي التي جعلت لروسيا بعضا من الأصدقاء الدوليين الجدد.

وفي الوقت نفسه، يواجه أوباما أزمات داخلية، مثل رفع السرية، في 9 ديسمبر الحالي، عن ملخص تقرير مجلس الشيوخ عن أعمال التعذيب التي كانت تمارسها وكالة المخابرات المركزية CIA في أعقاب الهجمات الإرهابية عام 2001، ونقاش مجلس الشيوخ حول تقييد سلطته على شن حرب ضد تنظيم "داعش"، وظهور أعضاء بارزين في المؤسسات السياسية والدبلوماسية الألمانية بقوة ضد عقوبات واشنطن والاتحاد الأوروبي الاستفزازية لروسيا، فضلا عن انتشار الناتو العسكري ضد روسيا.

وعندما زار أوباما الصين وميانمار كان يشير إلى ظاهرة الاحتباس الحراري والديموقراطية، بينما كان بوتين يركز على الصفقات الاقتصادية التي كانت إحداها صفقة الغاز الطبيعي بين الصين وروسيا التي تبلغ قيمتها 400 مليار دولار، وقِّعت في مايو 2014، أي بعد أن صوتت شبه جزيرة القرم لصالح الانفصال من أوكرانيا، وبالتالي الانضمام إلى روسيا.

وفي 10 نوفمبر الماضي، وصل بوتين إلى بكين، وحسبما ذكرت وكالة أنباء "بلومبرج"، فإن الزيارة كانت لتعميق العلاقات الصينية-الروسية في مجال الطاقة بإبرام صفقة من شأنها أن تستورد روسيا ما يقرب من خُمس إمدادات الغاز التي تحتاجها الصين بحلول نهاية العقد الحالي.

في الواقع، منذ قمة "بريكس" التي جمعت رؤساء الدول الست "البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا"، في فورتاليزا، بالبرازيل في يوليو 2014، كانت هناك سلسلة من الانفتاحات الاقتصادية لروسيا. ثم انضمت تركيا عضو حلف شمال الأطلسي إلى قائمة الدول التي تتمتع بتوسع اقتصادي ثنائي قوي مع روسيا، ذلك خلال زيارة بوتين لتركيا في أول ديسمبر الحالي التي استغرقت يوما واحدا. وفي تلك الزيارة قرر بوتين عدم بناء خط أنابيب غاز "السيل الجنوبي" إلى أوروبا عبر بلغاريا والبلقان إلى النمسا، وبدلا عن ذلك يتم توسيع نظام خطوط الأنابيب الحالية لتركيا، الذي يربط بالفعل إلى أوروبا عبر اليونان. وهذا يعزز دور تركيا كمركز للطاقة في المنطقة، ويوفر مزيدا من الصادرات بالنسبة لروسيا.

لقد كان اتفاق تركيا كبيرا، إذ وقَّعت شركة "غازبروم" الروسية وشركة "بوتاس" التركية المملوكة للدولة، مذكرة تفاهم لبناء خط أنابيب جديد عبر قاع البحر الأسود لنقل المزيد من الغاز الروسي إلى تركيا. كما عرضت روسيا على تركيا بناء منشأة لتخزين الغاز قرب الحدود اليونانية التركية. وجاء الاتفاق حول صفقة الغاز خلال انعقاد المجلس الخامس الاستراتيجي للتعاون بين البلدين، وتضمن الوفد الروسي 10 وزراء من الحكومة الروسية، وكذلك الرئيس التنفيذي لشركة غازبروم ألكسي ميلر. وتقرر أيضا أن البلدين يهدفان إلى زيادة حجم التجارة الثنائية إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2023.

في 8 ديسمبر الحالي، أي قبيل وصول بوتين إلى نيودلهي في زيارة رسمية، صرح السفير الروسي لدى الهند ألكسندر كاداكين للصحفيين قائلا: "لدينا خطط كبيرة للتعاون في مجال الطاقة التي ستكون أهم بند في جدول المحادثات التي سيجريها الرئيس بوتين مع رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي". وقال كاداكين "لقد سبق أن وافقت روسيا على المساعدة في بناء 14-16 وحدة نووية. لكن الآن يبدو أن طلب الهند هو أكبر من ذلك بكثير، أي قد يصل إلى 20-24 وحدة".

وأضافت صحيفة "نيو إنديان إكسبرس" أن اتفاق بوتين-مودي سيشمل جميع مجالات التعاون في الطاقة، من النووية إلى الهيدروكربونات.

وفي أوروبا، شهدت ألمانيا تمردا على مستوى عال ضد المستشارة أنجيلا ميركل التي كانت تُبدي تشددا واضحا ضد روسيا. ولكن هنالك شخصيات ألمانية بارزة تدعو إلى تجديد "علاقات تقارب ودي" بين ألمانيا وروسيا.

في 5 ديسمبر الحالي، نشرت صحيفة "ديت زايت" الألمانية رسالة مفتوحة، تحمل دعوة وجهتها أكثر من 60 شخصية بارزة من مختلف أوساط النخبة الألمانية، بمن فيهم وزراء وأكاديميون وزعماء أحزاب سياسية، تحت عنوان "أحرب أخرى في أوروبا؟ ليس باسمنا". ومن بين هؤلاء الرئيس الألماني السابق رومان هيرتسوج، ونائب الرئيس السابق انتجي فولمر، والمستشار السابق جيرهارد شرودر، وغيرهم من عوالم السياسة والاقتصاد والثقافة والإعلام.

تقول الرسالة المفتوحة:

"لا أحد يريد الحرب، لكن أميركا الشمالية والاتحاد الأوروبي وروسيا يدفعون إلى طريق الحرب إذا لم يتم وضع حد لهذه الدوامة الخطيرة من التهديدات ومكافحة التهديدات. ولذا فإن على جميع الأوروبيين، بما في ذلك روسيا، مسؤولية مشتركة تجاه السلام والأمن.

وينبغي علينا أيضا ألا ندفع روسيا بعيدا عن أوروبا. إذ إن مؤتمر فيينا عام 1814 أكد أن روسيا تنتمي إلى لاعبين عالميين معترف بهم في أوروبا. وكل الذين حاولوا تغيير ذلك فشلوا بعنف، كان آخرهم القائد الألماني أدولف هتلر المصاب بجنون العظمة، الذي في عام 1941 كانت له نية القتال لإخضاع روسيا".

وفي لقاء مع صحيفة "هاندلسبلات" اليومية الألمانية، حذر رئيس مجلس إدارة مصرف التجارة الخارجية VTB الروسي، أندريه كوستين، الدول الغربية من استبعاد البنوك الروسية من نظام المدفوعات الدولية SWIFT. وقال إن ذلك يُعد بمنزلة "خط أحمر"، وبمجرد فرض مثل هذه النوعية من العقوبات على روسيا، فإن ذلك سيعني الحرب.

وأضاف كوستين أنه: "إذا تم حظر وصول البنوك الروسية إلى نظامSWIFT، فإنه سيتعين على سفير الولايات المتحدة مغادرة موسكو في ذات اليوم، وبالتالي يجب قطع العلاقات الدبلوماسية".