نودع أو نستقبل.. ما الفارق بين الحالتين إن كان لا أحد من أبناء الأمتين العربية والإسلامية ونظمها السياسية يعنى بقيمة الزمن أو يشتغل على صناعة أحداث التاريخ والتأثير في إحداثياته المتواترة.

نتفاءل أو نتشاءم ما الذي سيترتب على أحد الأمرين دون الآخر.

أكتب عن العام الميلادي الجديد. تحفني مروج الربيع العربي بجداوله المنسابة عنفا وصراعا وأضغاث حلم مودعا الأربع العجاف من هدر الطاقات والفرص وتبديد الأحلام والتطلعات ووأد المصالح والمطامح وتشرب الكلمات بالعبرات.

كيف لاحت وعود التغيير بالأفضل مبهجة يحكيها الهتاف الهادر في الميادين العامة والمنتديات السياسية والأدبية وترويها الأعناق المشرئبة ببشرى الحياة والحرية والخصب. وكيف عادت الجموع المتحفزة أدراجها تسحب ذيول الخيبة وآهات الكآبة والانكسار.

حدث هذا كله على غفلة من العقل.. ورأينا شيئا من توعك التاريخ.. تخرج البراعم من أكمامها وتستعيد الجماهير توقها إلى غد أفضل وما يكاد الخطو المبارك يبلغ خاتمته المرتجاة حتى ينبري دهاقنة القوى الظلامية وأدعياء التصوف الوطني وباعة الشعارات الصفراء للحديث باسم الشعب والتباكي على مصالحه ومن ثم التسلل إلى الغرف المغلقة ووضع الصفقة مكان الثورة والتدمير بدلا عن التغيير وتقاسم السلطة عوضا عن بناء مؤسسات الدولة وترجمة المطالب المشروعة لجماهير الشعب.

عن أي مسحة جمال نمهر عاما مضى أو يغشانا اللهف ناحيته.

وددت لو كان ممكنا إلقاء التحية على جدث عام 2014 أو وضع إكليل غار قريبا من المتحذلقين في ركابه المطمورة بمباذل النخب وسقطات متخذي القرار في بلداننا العربية والإسلامية، 2014 أسوأ الأزمنة التي مرت بها أمتنا العربية والإسلامية.

أسوأ من عام الرمادة وأفجع من ذكرى 48 وأوجع من وخز نكسة 67 وما من ذكرى قاتمة تضاهيه بما في ذلك غزوات المغول ووثنيات الفرس وصليبيات البريطانيين وهمجية التتار.

كل هؤلاء الغزاة نهبوا وهربوا.

وجميعهم دفع ثمنا باهظا لقاء عدوانه لكنا لا نتذكر الاحتلال الأجنبي لهذا القطر العربي أو ذاك إلا ونستبقه بسجل ناصع من بطولات المقاومة الوطنية ومآثر شعوبنا العربية في سبيل التحرر من نير الاستعمار.

بيد أن 2014 المنبثق عن ربيعنا القائظ أحالنا إلى غزاة بالوكالة وثوار على موائد العرض والطلب. وفي حظيرته البشعة ينحسر دور المعرفة وتزدهر جماعات القتل والقتل الآخر.

داعش الإخوان وصفويات إيران هما أبرز تجليات العام الميلادي المنفرط، ولكليهما تمدداته وتفرعاته وخلاياه القائمة والنائمة على امتداد الوطن العربي.. هذه المحصلة الكارثية للعام الراحل إلى رحمة الاستعمار المعولم ليست غير رجع صدى سياسات النظام العربي العاثر وحساباته القاصرة.

وددت لو كان ممكنا إلقاء تحية وداع على عام الخيبات العربية الفائت لكن هاجسا مريبا لا يبارحني بالإبقاء على خط رجعة مع ما نعتقده الأسوأ.. فلربما صادفنا العام 2015 بأحداث تتعدى سابقتها سوءا وحينها يصبح لسان الحال "لو كان الزمان يأتي بأحسن ما قامت القيامة"، كما يروى عن الأثر النبوي.

لا نقول هذا إمعانا في التشاؤم أو لأننا آيسون من روح الله ورحمته فلو لم تكن عنايته حاضرة الأحداث التي مضت لسادت الأحزمة الناسفة وخلت العيون من بارقة أمل تلوح على استحياء خلف كثبان الاضطرابات جوابة الآفاق متنقلة الأسفار متعددة المحطات حتى أن هذا النمط من التنقلات محكمة الترتيب والبرمجة لا يتوافر في زيارات رؤساء الدول ولا حتى ضمن بروتوكولات (أبناء صهيون)!

يومان وتلوح تباشير العام الجديد.. فهل في جعبة أحد بشرى يزفها أو غيمة ظل يهديها لعروبتنا المدماة ينزف الصراع وغواشي التوجهات المسكونة بشغف الانقسام وضواري الإضعاف المتبادل.

هل صار الوضع في اليمن مرضيا لأشقائه العرب.. من ليبيا إلى العراق مرورا بسورية، جميع هؤلاء وإن تباينت المستويات ساعدوا على إضعاف الدولة اليمنية وجميعهم توزعوا بين بؤر التشظي الداخلي.. أما حين أزفت ساعة الحصاد فلم نجد طرفا يجني الأرباح غير إيران..

ترى هل يغدو النفوذ الإيراني في هذا اليمن المكدود ببعض بنيه والمكدود بأشقائه مجرد عَرَض عابر أم يتحول إلى ظاهرة طاغية يقف خلفها مشروع تدويل وتقاسم مراكز نفوذ دولي وإقليمي؟

وهل سيكون الصراع الحوثي الإخواني سمة عام 2015 في اليمن أم أن رشحه سيتوقف بتفاهمات الدوائر الاستعمارية الممسكة بمحركاته.. وهل ينزلق الأشقاء مرة أخرى في شراك الإخوان المسلمين، وينسون تجاربهم السابقة ويبتكرون رؤية غير تقليدية تجفف مستنقعات الصراع وتقيم أود الدولة ويلتفتون إلى القوى السياسية المتحررة من رواسب الماضي.

عام 2015 سيكون عاصفا وإذا أبطأ الأشقاء ولم يعيدوا النظر في توجهاتهم التكتيكية المعهودة ناحية اليمن فإن الانتكاسات التي فوجئ بها هؤلاء خلال عام 2014 لن تكون عدا تهويمات على هامش الفاجعة.

وحين يصل شعب مرحلة عدم الاكتراث لشيء يُخشى عليه.. هناك يكمن الخطر الداهم.