انتهت الدورة الـ35 للقمة الخليجية التي عقدت أول من أمس في الدوحة وخرجت بقراراتها وتوصياتها، إلا أن المحور المركزي الذي طرحته النخب الخليجية بأطيافها ومدارسها كافة، هو الحاجة الماسة إلى الأعمال الإجرائية أو الفاعلية السياسية النشطة، البعيدة تماما عن مسار يمكن اصطلاحه بـ"الكلاسيكية السياسية" التقليدية التي رسمت خطوط الإطار الإقليمي للمنظومة الخليجية منذ قرار تأسيس مجلس التعاون منذ أكثر من ثلاثة عقود، وتحديدا في الـ25 من مايو 1981.

وبعيدا عن مسار التوقعات التي سبقت القمة بأيام، والأجواء الإيجابية التي أحاطت بمناخها السياسي العام، إلا أن الرؤية الواقعية يجب الالتفات إليها في ظل استمرار بعض من ملامح التباينات بين دول مجلس التعاون.

وهنا يتدخل رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية الدكتور أنور عشقي للقول: "إن التغلب على الاختلافات الموجودة حاليا بين الدول الخليجية، يكون من خلال أرضية اجتماع القادة في القمة الخليجية، كرؤية شاملة وليست منفردة، خاصة عندما يتعلق ذلك بالحفاظ على الأمن القومي الخليجي".

إلا أن فريقا آخر من الباحثين السياسيين كمسلم الأحمد الذي تحدث لـ"الوطن"، أشار إلى ما أسماه "صعوبة" تأسيس رؤية خليجية متكاملة تجاه كل القضايا. ويبرر بالقول: "التعددية والتباين المقبول الذي لا يضر بأمن ومستقبل الخليج، مطلوب لتنويع الإطارات السياسية بما يخدم نضوجها المشترك العام".

إلا أن الأحمد المهتم بتطوير أداء المجلس حدد مفصلا مهما للتغلب على تباينات دول الخليج، عبر ضرورة الاتفاق في القضايا المركزية العامة التي تمس المنظومة بشكل مباشر، مكررا بطريقة أو بأخرى ما ذهب إليه المفكر الكويتي محمد الرحميحي في أكثر من سياق وهو التأكيد على حسم مواقف الدول الخليجية من قضايا: سورية، والعراق، والملف النووي الإيراني، والعلاقة مع إيران، ومصر، وجماعة الإخوان المسلمين.

ولم ينته الباحث السياسي الأحمد عند ذلك الحد، بل طالب بإنشاء مفوضية سياسية خليجية تملك الصلاحيات الواسعة في تنسيق المواقف المشتركة بناء على مصالح كل دولة في المنظومة الخليجية. وقال: "إن الصيغ الحالية التي يتحرك خلالها المجلس تحتاج إلى تطوير عاجل يمس هيكلها الداخلي، من ناحية ترجمة قرارات القمم فعليا وإيجاد الآليات التنفيذية التي تضمنها".

التحديات التي يواجهها الإقليم الخليجي تدفع بالابتعاد عن الكلاسيكية السياسية والتحرك ببراجماتية تخدم مصالحها، فلم تعد صيغ التحديات تناسب المنظور التقليدي الذي سار عليه المجلس، فالتطورات المتسارعة التي تمر على منطقة الخليج تتسم في أدق تفاصيلها بأنها "غاية في الصعوبة".

أبرزها تلك التحديات هي الأمنية، بل تأتي على رأس تلك التحديات، وتتطلب إجراءات سريعة تضع "الأمن الفكري" على قوائمها الرئيسة لتحصين جبهتها الداخلية، إضافة إلى التحديات التي تحيط بالإقليم. ويعود رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية للحديث والتأكيد من هذا الجانب على ضرورة قيام الاتحاد الخليجي في أقرب وقت ممكن.

وأشار عشقي إلى آلية لبناء كيان اتحادي مواز لمجلس التعاون، كأن تدخل 3 دول أو أقل في اتحاد بينها مع الاستمرارية في خط المجلس الحالي، لأنها ستشكل منعطفا مهما في تاريخ الإقليم الخليجي، مستشهدا بالاتحاد الأميركي الذي بدأ في مرحلته الأولى بـ13 دولة، لتكمل الولايات الأخرى عقد الولايات المتحدة الأميركية في مرحلتها الثانية من الاتحاد بـ50 ولاية.

ويستخلص من ذلك ضرورة طي صفحة الخلافات، فالمرحلة المقبلة تتطلب قرارات حاسمة، لا سيما في الملفات الأكثر سخونة، ما سيحدد مسار اتجاه مجلس التعاون الخليجي ضمن رؤى يستند إليها في التعامل مع ملفاته الإقليمية.