قبل سنوات قليلة لم يكن يعرف أحمد العمران سوى والديه وإخوته. كان خجولا ووحيدا ومنكفئا. اليوم بلغ عدد زوار موقعه أكثر من مليون ونصف. اسمه ينمو على نحو سريع ومدهش.

(سعودي جينز) مدونة شهيرة أطلقها قبل سنوات قليلة جعلته أشهر من نار على علم. ولد أحمد في الهفوف بالأحساء عام 1984. نشأ وترعرع في أحشائها حتى انتقل إلى الرياض للدراسة في جامعة الملك سعود.

عندما كان طفلا كان يفضل البقاء في المنزل لمشاهدة التلفازعلى اللعب في الشارع. أجمل لحظات مراهقته قضاها في مدرسة الحديبية المتوسطة. فقد دخلها شخصا وخرج منها شخصا آخر. خلال تلك المرحلة اكتشف شغفه بالكتابة والقراءة. تأثر بأستاذه مصطفى العقيلي الذي جعله يتذوق القراءة بمتعة ويرتكب الكتابة المبكرة بحماسة.

حينما أنهى أحمد دراسته الثانوية كان قرار متابعته دراسته الجامعية في الصحافة مسألة وقت لا أكثر. لكن فور أن نما إلى علم والده رغبته المشتعلة أطفأها قائلا: "إنها مهنة لا تؤكل عيشا. اختر غيرها". كان أحمد غضا طريا. لا يستطيع أن يجادل ويساجل. اختار الصيدلة إيثارا للسلامة. عانى كثيرا في عاميه الأوليين في الكلية التي اختارها رغما عنه. كانت أيامه فيها ممضة وعسيرة الهضم كالأدوية التي كان يعيش وسطها ويستنشق رائحتها. توفي والده وهو في سنته الثالثة فصار أمام مفترق طرق: هل يغير تخصصه ويتجه لدراسة الصحافة أم يتابع دراسة الصيدلة؟ في النهاية قرر الحصول على بكالوريوس الصيدلة إكراما لذكرى أبيه. ثم لاحقا يكمل دراسته العليا في الصحافة.

في عام 2004 أنشأ مدونة باللغة الإنجليزية على الإنترنت باسم (سعودي جينز) لكسر الملل والرتابة التي يرزح تحت وطأتها. ويطور اللغة الإنجليزية التي وقع في غرامها. كانت مدونة يسجل من خلالها انطباعاته الشخصية البسيطة. لم يكن يتوقع أن تستمر أكثر من بضعة أسابيع. لكن بعد فترة وجيزة حظيت مدونته بإقبال كبير فاق توقعاته وخياله. الاهتمام الكبير بمدونته جعله يتحول من المواضيع الخاصة إلى مواضيع الساعة العامة ليواكب المتابعة المتزايدة.

لم يقف الأمر عند ذلك الحد. صارت وكالات الأنباء العالمية تقتبس آراءه في المدونة وتدرجها ضمن تغطياتها ومتابعتها للشأن السعودي.

حينها أدرك أحمد أن (سعودي جينز) بصدد قلب حياته رأسا على عقب. أعلن اسمه على الملأ. وتحول من صيدلي محبط يقبع خلف اسم مستعار إلى مدون مثير تطارده وسائل الإعلام الدولية.

أصبح معروفا في الخارج أكثر من الداخل. فلو سألنا عنه أي متابع محلي لوسائل إعلامنا التقليدية فربما يجيب أنه مغن أم شاعر أم عضو مجلس إدارة بنك حديث. لكن فور أن تضع اسمه باللغة الإنجليزية على محركات البحث المختلفة ستطالع نتائج مذهلة. دراسات وتحقيقات. استطلاعات وتغطيات يتردد فيها اسمه الحقيقي والمستعار بوفرة. ورغم الشهرة العالمية التي حصل عليها (سعودي جينز) إلا أن سعادته الحقيقية لا تتحقق بتواجده بسخاء خارجا بل داخلا عندما يسأله أي شاب عن موضوع سابق طرحه في المدونة. فأحمد يؤمن أن مدونته حتى لو كانت باللغة الإنجليزية فإن جمهورها الرئيسي هو الشاب السعودي الذي يبتغي أن يسمع صوتا جديدا يعبر عنه وعن مزاجه. ويعتبر أحمد أن أعظم إنجاز حققه منذ تدشينه المدونة هو إيقافه من قبل أم في مجمع تجاري بالرياض ليتصور مع ابنها تقديرا لتدوينه وإسهاماته. يقول: "كدت أن أذوب من فرط الفرح".

أحمد الذي يدرس حاليا الماجستير في الصحافة في جامعة كولومبيا العريقة بنيويورك التي تأسست عام 1745 يبكي كلما تذكر أمه التي تقوم بتربية أشقائه الذكور الستة في الأحساء لوحدها بعد وفاة والده. ويتمنى أن يعود قريبا إليها أشد بأسا وقوة.

تجربة أحمد الناجحة بالتدوين درس لنا أجمعين. فقد اتجه إليه محاربا للضجر فصار اسما لامعا. اسم يحضر في المؤتمرات والمنتديات والأوراق العلمية المتخصصة في الإعلام الجديد والرقمي في لندن ونيويورك وبراغ.

أحمد لم يحارب الملل بالذهاب إلى الاستراحات والتسكع في الطرقات. لكن بالكتابة بلغة ثانية. فالنجاح لا يأتيك وأنت مستلق على ظهرك.

ربما لا يعلم الكثيرون أن لغة أحمد العربية شهية وجذابة إلا أنه اختار الصعب وآثر أن يجعل مدونته مساحة للتدريب والتجربة والأخطاء فظفر بقبول سريع من أعرق الجامعات في العالم. أحمد أثبت لنا أن الأحلام الكبيرة قابلة للتحقيق. فقط تحتاج إلى القليل من المحاولة والعناء.