في مقال للصحفي المخضرم جيمس فالوس نشرته مجلة "اتلانتك" الأميركية الواسعة النفوذ، في عدد يناير - فبراير 2015، بعنوان "مأساة الجيش الأميركي"، قال فالوس: "إن أميركا تنفق بإهمال وتتبع استراتيجية حمقاء تجذبها إلى حروب لا نهاية لها ولا يمكن الفوز بها".

تشرع الولايات المتحدة في مرحلة جديدة، قال عنها مبعوث الرئيس أوباما الخاص للحرب ضد تنظيم "داعش" الجنرال جون ألين، في مقابلة مع مجلة شبيجل الدولية الألمانية إنها ستكون حربا طويلة قد تفشل في تحقيق كل هدف استراتيجي.

وأضاف فالوس: "تمتلك الولايات المتحدة في الوقت الراهن جيشا أكبر وأفضل تجهيزا في العالم. وبكل المقاييس فإن الجيش مدرب تدريبا مهنيا وهو اليوم أفضل دفاعا وانضباطا أكثر من السنوات الغابرة. ولا يمكن لأي شخص عاقل أن يتعرض للجيش اليوم بأي شيء غير أن يكن له كل الاحترام والامتنان لما يفعله. ومع كل ذلك فإن هذه القوات قد هزمت مرارا وتكرارا من قبل قوات أصغر حجما وأخرى مسلحة غير نظامية أفقر تمويلا.

لذا، ومع بداية هذا العام يثار في واشنطن نقاش محتدم حول ما إذا كان أو لم يكن هناك نجاح لخطة إدارة أوباما لهزيمة تنظيم "داعش" في العراق وسورية، أو أي احتمال للنجاح في السنوات القليلة المقبلة".

أرسل الجنرال ألين إلى وزارة الخارجية الأميركية تقييما متفائلا للتقدم الذي تم إحرازه ضد "داعش" حتى الآن، وأوضح فيه العناصر الخمسة التي رسمها الرئيس أوباما لمقاييس النجاح الرامية إلى إضعاف تنظيم "داعش" ثم تدميره، والتي أعلنها عندما أرسل 300 مستشار عسكري في مهام إنسانية لإنقاذ الشعب اليزيدي من هجوم "داعش". ويُشار إلى أن العناصر الخمسة التي أعلنها أوباما هي ذات العناصر المنصوص عليها في اجتماع عقد مؤخرا في المنامة، البحرين، مع أعضاء الائتلاف المناهض لداعش، وهي تتمثل في: تقديم الدعم العسكري لحلفاء واشنطن في المنطقة، ووقف تدفق المقاتلين الأجانب للانضمام إلى تنظيم "داعش" ووقف تدفق الأموال والموارد الأخرى لداعش، وتقديم المساعدة اللازمة لمعالجة الأزمة الإنسانية المتفاقمة، وفضح الطبيعة الشريرة لأيديولوجية "داعش".

ادعى الجنرال ألين بأن هناك تقدما جديا تم إحرازه، لا سيما في العراق، حيث تمت استعادة بعض الأراضي التي احتلها مقاتلو داعش، وتعرضت بعض المنشآت النفطية، التي كانت مصدرا رئيسا لتمويل التنظيم، للقصف.

وبحلول هذا الشهر بدأ الجيش الأميركي في تنفيذ برنامج طموح لتدريب وتجهيز القوات العراقية المسلحة في القواعد العسكرية المنتشرة في أنحاء المناطق الآمنة بالبلاد. ويجري حاليا تنفيذ دورة تدريبية مكثفة للدفعة الأولى المكونة من 5 آلاف جندي عراقي لمدة ثمانية أسابيع بقيادة المختصين في الجيش الأميركي. ومع ذلك، فإن كل هذه الجهود تعد قاصرة لدعم ما هو مطلوب لتحقيق النجاح المنشود. الجيش الأميركي قادر على تقديم ضربات عسكرية خطيرة لتنظيم داعش، لكن العديد من العوامل الحاسمة للانتصار خارج أيدي وزارة الدفاع (البنتاجون).

ومن ناحية أخرى، يمكن التساؤل: هل سينجح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في تشكيل حكومة وحدة وطنية تُرضي زعماء العشائر السنية، الذين أحرقهم سلفه نوري المالكي (الذي لا يزال في الحكومة العراقية)؟ وهل سيتخلى الأكراد عن خططهم لإقامة دولة كردية مستقلة، بعد إجازة قانون النفط الذي يضمن لهم 17% من العائدات الوطنية إذا قبلوا البقاء تحت حُكم بغداد؟ وهل ستقبل الميليشيات الشيعية المدعومة من كتائب القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني، أن تتقاسم السلطة مع الأقليات السنية والكردية؟

فيما يبدو لا يمكن الإجابة عن أي من هذه الأسئلة من قبل العمليات العسكرية الأميركية. وبينما يدعي "داعش" أن إقامة الخلافة الإسلامية هي رسالة رمزية قوية للعرب السنة، فإن الجنرال ألين تحدث عن حملة لتوضيح صورة "داعش" في أذهان السُنة، إلا أنه لم يقدم استراتيجية لتحقيق هذا الهدف فعلا.

وقدم الجنرال ألين حجتين من الحجج القوية، نيابة عن الرئيس أوباما: أولا، أوضح أن الولايات المتحدة لن تنسق مع إيران أي عمليات عسكرية مناهضة لـ"داعش". وثانيا، أكد أنه بالنسبة لأوباما، فإن داعش لن تهزم بإزالة بشار الأسد من السلطة في دمشق.

في الواقع، أن الوضع السوري يشكل عقبة رئيسة أمام هزيمة "داعش". وأن خطة الولايات المتحدة لفحص تدريب وتجهيز القوات المعارضة المعتدلة تحت لواء الجيش السوري الحر قد فشلت فشلا ذريعا حتى الآن. وأكدت صحيفة نيويورك تايمز مؤخرا أن الجيش السوري الحر نجح في حالات القتال فقط عندما تعاون مع مقاتلين من "جبهة النصرة"، وهي جماعة جهادية تابعة لتنظيم القاعدة وعلى قائمة واشنطن للمنظمات الإرهابية الدولية المحظورة. أما الأسلحة المقدمة إلى الجيش السوري الحر فإنها تقع في كثير من الأحيان في أيدي جبهة النصرة وحتى في أيدي وحدات من تنظيم داعش. واعترفت صحيفة نيويورك تايمز بأن الجيش السوري الحر أصبح مجرد وسيلة لتمرير الأسلحة بين الولايات المتحدة وجبهة النصرة. لذا، لم يكن داخل سورية قوة على أرض الواقع يمكن للولايات المتحدة أن تعمل معها أو الاعتماد عليها.

وفي نظر العديد من رجال الجيش والمخابرات وصناع السياسة الأميركية، أن بعض الحجج التي وضعها فالوس جديرة بالاهتمام. وقد جادل فالوس أن أيا من الأهداف الاستراتيجية التي وضعتها إدارتا بوش وأوباما في العراق وأفغانستان لم يتم تحقيقها، باستثناء حالة واحدة هي قتل أسامة بن لادن.

وأوضح فالوس أن هناك فجوة متزايدة بين القوات المسلحة الأميركية وعامة السكان، بما في ذلك القيادة السياسية في البلاد. وجرت العادة أن يحتفى بجنود القوات المسلحة على أنهم أبطال، إلا أنه ليست هناك انتقادات وافية بفشلهم أو استنكار رسمي إزاء جهودهم المهدرة في العراق وأفغانستان التي أفرزت حربا دائمة وعدم استقرار وأزمات لاجئين ومستقبلا مجهولا.

وعلى الرغم من الإخفاقات الخطيرة، بما في ذلك إساءة معاملة السجناء في أماكن مثل سجن أبو غريب في العراق، لم يتم إعفاء جنرال أميركي واحد بسبب فشل قيادته. ووفقا لفالوس، فإن هذا العمى من رؤية مدى الحدود الفعلية للقوات العسكرية الأميركية، قد يترجم إلى حروب دائمة تستنزف موارد دولة عظمى، مثل الولايات المتحدة، لتصل إلى طريق مسدود.