بما أن تنظيم "داعش" لا يمكنه الفوز، إلا أنه جلب الكثير من الضرر الذي أدى إلى تشكيل ائتلاف أكثر من 60 دولة لم تكن قادرة على تدميره في أكثر من ستة أشهر من الغارات الجوية المدعومة بقتال قوات برية إقليمية يبدو قتالها أكثر محدودية.

خلال الأسبوع المنصرم، عقد مجلس سياسة الشرق الأوسط منتدى مهما في كابيتول هيل بواشنطن، بعنوان "كيفية تجنب الحرب في الشرق الأوسط".

يكمُن الاستنتاج الوحيد الذي استخلصه المجتمعون في الندوة أن مشاركة الجيش الأميركي ستستمر إلى أجل غير مسمى، إذ ليست هناك نهاية في الأفق، وتتلخص المضاعفات السياسية في الولايات المتحدة في أن سكانها لا يريدون أن تضحي بلادهم بالمزيد من القوات البرية "هناك 100 ألف جريح جراء حربي العراق وأفغانستان يحتاجون إلى رعاية طبية مدى الحياة"، وضباط جيش مخضرمون يعتقدون أن عدم وجود مداولات واضحة وصادقة من قِبل القادة السياسيين قد أهدر موارد وقدرات أعظم جيش تكنولوجي في العالم.

إن أكبر عقبة، وفقا للمتحدثين في المنتدى، هي علاقة الولايات المتحدة مع اللاعبين الإقليميين في الشرق الأوسط، إذ إن أصدقاءنا منقسمون وأعداءنا منحرفون.

وكان من بين المشاركين في المنتدى مايكل هادن، الذي تقلد ثلاث وظائف استخباراتية أكثر أهمية في الولايات المتحدة هي: مدير وكالة المخابرات المركزية "سي آي أيه"، ومدير وكالة الأمن القومي، ومدير الاستخبارات الوطنية، والسفير الأميركي السابق لدى تركيا ومصر والمبعوث الخاص السابق في العراق فرانك ريتشاردوني؛ وقائد القوات الأميركية في العراق وأفغانستان، الجنرال دانيال بولغر؛ والمدير السابق لشؤون الديموقراطية والحُكم بمجلس الأمن القومي دافنا راند.

وسيطر نقاش المنتدى على الانقسام بين السُنة والشيعة وعدم الثقة الأميركية في إيران، ومن المفارقات أن المنتدى انعقد بينما تتحدث التقارير عن انقلاب في اليمن يقوم به الحوثيون ومن ورائهم إيران، وهذا يُعد برهانا آخر على أن خطر الحرب في الشرق الأوسط قد وصل إلى مرحلة "لا يمكن التحكم فيها".

أبدى مايكل هايدن، المعروف بمواقفه المتشددة، نظرة متشائمة حول إبرام أي صفقة مع إيران، وتوقع أنه لا يوجد أي احتمال لأن تتوصل "مجموعة 5+1" إلى اتفاق نووي مُقنع، لكنه قال إن زيادة العقوبات أو العمل العسكري ضد إيران قد يؤدي إلى إعاقة نجاح التوسع الإيراني في المنطقة، ولذا "يبدو من الضروري اتخاذ احتمال إجراء عسكري على الطاولة".

وقال هايدن: أخيرا والأهم أن يُسمح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإجراء التفتيش المفاجئ لأي مرفق يريدون تفتيشه، بما في ذلك أية منشأة خاصة بالحرس الثوري الإيراني. وأضاف هادين: قد تكون الآثار السياسية لذلك انقلابا فوريا ضد وزير الخارجية ظريف والرئيس روحاني من قِبل الحرس الثوري الإيراني. وعلى الفور استدرك هايدن بأنه كان يعني هذا فقط لـ"السخرية"، ولكن الجمهور يدرك الحقيقة في ذلك القول.

واعترف هايدن بأن المعارضة السياسية في إيران قوية إلى درجة أن "الإيرانيين لا يمكن أبدا أن يعطونا ما نريد".

ومن ناحية أخرى، أشار الجنرال بولغر والسفير ريتشاردوني إلى أن حلفاء أميركا في المنطقة: لديهم وجهات نظر مختلفة حول الشروط التي يريدونها لاحتواء إيران.

وقال ريتشاردوني "لا يمكنك أن تفصل القضية النووية"، بعيدا عن التوسع الإيراني في المنطقة.

لقد عكس المتحدثون في الندوة ما هو معروف في واشنطن، بأن مسؤولي كل دولة حليفة اعتادوا زيارة واشنطن حاملين معهم مطالب ويبدون قلقا جادا بشأن إيران.

فمثلا تريد إسرائيل نهاية كاملة لبرنامج تخصيب اليورانيوم، وهو شيء لن توافق عليه إيران، أما المملكة العربية السعودية وتركيا فتبديان قلقا شديدا بشأن توسع نطاق إيران في العالم العربي – العراق ولبنان وسورية، وكذلك اليمن.

أما مناقشة الموضوع الثاني، بشأن ما تحتاجه أميركا لإنهاء هذه الحروب، فقد كانت مناقشة "شركاء"، وهو المصطلح الذي يُستخدم بإفراط رغم ما يكتنفه من ارتباك وغموض، حتى أصبح فيما يبدو عبارة "صحيحة سياسيا" تُزين وثائق الأمن القومي التي لا تحصى. وأشار دافنا راند إلى إن المختصر "BPC" الذي يعني "بناء قدرات شراكة"، هو مصطلح يوجد في جميع المستندات السياسية تقريبا، لكن "الشراكات الموثوقة" على ما يبدو لم تكن متوافرة بما فيه الكفاية.

ووفقا لمتحدثي المنتدى، يُلاحظ أن العراق الذي تدعمه الولايات المتحدة أن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي عينته الإدارة الأميركية قد حوّل الحكومة العراقية إلى أداة طائفية، وصفت بأنها غير موثوقة، ومقربة جدا من إيران.

وفي الوقت نفسه، طُلب من "الحلفاء السُنة" بذل مزيد مما يفعلونه لمكافحة "داعش"، وعلى حد قول هايدن، فهي "قضية حضارية واسعة" تتجاوز جمع المعلومات الاستخبارية لاستهدافها".

وبصفته رئيسا سابقا لوكالة الأمن القومي، أكد هايدن أن التكنولوجيا الأميركية "التي ترصد مواقع الأهداف العسكرية"، يمكنها تحديد مواقع مقاتلي "داعش" في أي وقت تقريبا، لأن مواقعهم دائما تحت المراقبة. ما ينقصنا في قدرة الولايات المتحدة هو الذكاء البشري المتمثل في: المعلومات والأفكار والالتزام بأن الشركاء المحليين هم وحدهم الذين يمكنهم التقدم للقتال على الأرض.

وأكد السفير ريتشاردوني أنه حتى مع بعض الصعوبات، ليس هناك شك في أن "داعش" يمكن أن يُهزم، لأن لديه عدوا ضخما وأكبر مما يتخيل.

ووصف ريتشاردوني "الألم والدمار" اللذين يُلحقهما "داعش" بالسكان في المناطق السُنية التي يحتلها التنظيم، ودعا دول وشعوب المنطقة إلى إيقاف النزاع الطائفي ونبذ الكراهية التي تحوّل المسلمين إلى القتال في حرب طائفية تجعلهم يذبحون بعضهم بعضا، وبدلا من استخدام عبارة "تجفيف المستنقع" لمكافحة الإرهاب، يرى ريتشاردوني أنه يحبذ استخدام عبارة أن "داعش" "مرض" أو "سرطان"، وهو الوصف الذي يتم تداوله على نحو متزايد من قبل أبناء المنطقة أنفسهم.