تواصل "الوطن" اقتحامها للعالم السري لمافيا المراهنات الرياضية، وهو الملف الأسود الذي تم فتحه على خلفية الحديث عن دور تلك المافيا في خسارة الهلال لبطولة دوري أبطال آسيا، وتزامنه مع خروج كتاب "ملوك كلونج" الذي فجر فيه أحد زعماء مافيا مكاتب المراهنات غير الشرعية، وهو السنغافوري "رايسون راج بيريومال"، من داخل محبسه مفاجآت قوية، كاشفا عن كثير من العمليات التي قام بها، ومن بينها عمليات قام بها في مصر بين عامي 2009 إلى 2011، في عهد رئيس اتحاد الكرة المصري السابق سمير زاهر، وكيف أنه رتب لتأهل نيجيريا إلى مونديال 2010.

وكانت "الوطن" في الجزء الأول، كشفت بالأدلة والمستندات الرسمية عن وقوع الدوري السعودي في فخ المراهنات عبر شركات شرعية مثل "تيبيكو" الألمانية، وغير شرعية مثل "بوين" النمساوية، وكشفت أن 40 ألف مباراة تقام في العام الواحد في مختلف الدوريات العالمية وكذلك البطولات الكبرى، مثل كأس العالم ودوري أبطال أوروبا، تخضع إلى عملية تلاعب في نتائجها من قبل عصابات مافيا المراهنات، وأن حجم استثمار عمليات المراهنات تضاعف بشكل خطير وقفزت من 300 مليار إلى تريليون دولار.. وفي الجزء الثاني تكشف "الوطن" عن اختراق مافيا المراهنات للعالم العربي.

"بيريومال" يزعج المصريين

وإذا كان الحديث عن الدور الذي لعبه حكم النهائي الآسيوي، الياباني "يوشى نيشيمورا"، والاتهامات التي وجهت إليه، لم تصل إلى مرحلة التحقيق الرسمي، فإن مصر تعاملت بجدية مع فضيحة "بيريومال"، وقام وزير الشباب والرياضة خالد عبدالعزيز بتشكيل لجنة تحقيق رسمية، وتم استدعاء عدد من المسؤولين الذين تم ذكر أسمائهم في كتاب "ملوك كلونج"، منهم رئيس لجنة الحكام الرئيسة السابق محمد حسام الدين، وعدد من الحكام الذين سافروا لإدارة مباريات في إندونيسيا، فيما أعلن زاهر براءته من تلك الفضيحة، وينتظر الجميع في مصر ما ستسفر عنه هذه التحقيقات، خاصة أن الفضيحة تم توثيقها بالأدلة والمستندات الرسمية بخلاف اعترافات "بيريومال" نفسه في كتابه، والغريب أن الجميع في مصر يعد الأمر جريمة، وخرجت وسائل الإعلام تجرم المراهنات، في الوقت الذي توجد فيه مكاتب مراهنات خاصة بسباق الخيول.

أرضية عربية خصبة

ولم يكن الدوري السعودي وحده بطبيعة الحال، الذي سقط في فخ شركات المراهنات، بل وجدنا غالبية الدوريات العربية موجودة على عدد من المواقع الإلكترونية لتلك الشركات، وأن تلك المراهنات تجد إقبالا كبيرا من كل الجماهير في كل الدول العربية، بعيدا عن عيون الحكومات الغائبة.

وكان رئيس المركز الدولي للأمن الرياضي، محمد حنزاب، أكد في تصريحات إعلامية أخيرا أن الحكومات العربية تعيش في "غيبوبة"، مشدداً على أن فساد المراهنات طال منطقة الناطقين بالضاد، مؤكداً أن هناك مباريات دولية عربية ودية تم ترتيب نتائجها، لافتا إلى أن المنطقة العربية هي أسهل منطقة جغرافية تتم فيها المراهنات، وأن الحكومات العربية لا تضع الرياضة ضمن النقاط العشر الأولى في أجندة أولوياتها على عكس الدول الأوروبية.

وأشار حنزاب إلى أن إعلان الدول العربية عن رفضها لنظام المراهنات، جعل دورياتها أرضا خصبة للمراهنات غير الشرعية التي تنتشر في الدول التي تمنع المراهنات، لافتا إلى أن المراهنات غير الشرعية تتم عن طريق منظمات دولية، والوسائل التكنولوجية المتوافرة أسهمت في اتساع نطاقها، فالآن من الممكن أن تراهن عن طريق "الآيفون" و"الآيباد"، والعصابات المنظمة لا تعمل إلا في الظل.

وتابع "في الوطن العربي، هناك مباريات رتبت نتائجها، خصوصاً الودية منها، المقامة في يوم "فيفا"، وتم ذلك باتصال مع شركات في شرق آسيا، فهي التي اختارت الحكم والفريق، وهي التي اختارت النتيجة التي آلت إليها المباراة، ومن يقول إن الوطن العربي بعيد عن المراهنات مخطئ، فبالعكس الوطن العربي أسهل منطقة جغرافية تتم فيها المراهنات".

هزة لبنانية كبرى

والحقيقة أن تعمد تجاهل الدول العربية للظاهرة، جعلنا نستيقظ العام الماضي على واحدة من أكبر فضائح المراهنات في العقد الأخير، تلك الفضيحة التي هزت الكرة اللبنانية، بعد ثبوت تورط مسؤولين ولاعبين في فضيحة التلاعب بنتيجة مباراة لبنان وقطر في تصفيات كأس العالم الأخيرة، والتي انتهت بفوز الأخير بهدف نظيف بعد مباراة أثارت أحداثها كثيرا من الشبهات، وهي الفضيحة التي انتهت بإيقاف الاتحاد اللبناني لكرة القدم 24 لاعباً فترات تتراوح ما بين حرمانهم من اللعب مدى الحياة وبين موسم كروي واحد وتغريمهم مبالغ مالية، وقال الأمين العام لاتحاد غرب آسيا لكرة القدم، فادي زريقات، الذي ترأس لجنة تحقيق في التلاعب بنتائج الدوري اللبناني استمرت 63 يوماً، إن اللجنة أوصت الاتحاد اللبناني بسلسلة عقوبات بحق من ثبت تورطهم بالتلاعب وإجراء مراهنات.

وأكد رئيس اللجنة أن تلاعب بعض اللاعبين يعود إلى الجهل وقلة الثقافة وكان تركيزهم خلال التحقيقات على النوادي والشركات التي كانت وراء ذلك، نافيا في الوقت نفسه أن تكون فضيحة التلاعب في النتائج وتحقيقاتهم اقتصرت على مباراة منتخب لبنان ونظيره القطري في تصفيات كأس العالم 2014، بل امتدت لعدد من المباريات في الدوري اللبناني ومباريات قارية ودولية أخرى.

وردا على أسئلة الصحفيين حول تورط بعض اللاعبين في مباراة لبنان وقطر في الثالث من يونيو الماضي، والتي فاز فيها العنابي 1 - صفر إثر خطأ دفاعي فادح من الموقوف رامز ديوب، قال زريقات "ديوب أوقف بسبب تورطه في مباريات كثيرة وليس لقاء قطر فقط"، ثم قال لاحقا "لم يتورط ديوب في مباراة قطر، بل في لقاءين للبنان ضد مضيفه الكوري الجنوبي، إذ انتهت الأولى في الدور الثالث لتصفيات كأس العالم بخسارة منتخب الأرز 0 - 6 والثانية في الدور الرابع 0 - 3.

وتحدث عن ظروف التلاعب التي لا تتم على نتيجة المباراة فحسب، بل على عدد الإنذارات وحالات الطرد والركلات الركنية وأمور دقيقة في المباراة، وأن المباريات التي ثبت فيها تورط كانت ضمن بطولة كأس الاتحاد الآسيوي وكأس الاتحاد العربي وتصفيات كأس العالم وكأس آسيا للشباب وتصفيات كأس آسيا، إضافة لبعض المباريات الدولية الودية، وكشف عن أن ديوب والعلي لم يعترفا، بل إيقافهما تم بعدما شهد كثير من اللاعبين ضدهما.

الهنود يورطون الإمارات

تؤكد وثائق رسمية أن جاليات دول شرق آسيا العاملة والمقيمة في دول الخليج ورطت دول الخليج في عمليات المراهنات، وعلى سبيل المثال ما حدث في الإمارات، حيث سجلت مكاتب المراهنات إقبال تلك الجاليات، خاصة الهنود على عملية المراهنات من خلال تلفوناتهم المحمولة ذات الرقم الإماراتي خلال مونديال البرازيل، ووفقاً لأحد المشاركين بتلك المراهنات في الإمارات، فإنها تتم بشكل محدود بين أفراد تربطهم علاقات وثيقة، وهي في الأغلب تتم بين أبناء الجالية الهندية بمبالغ بسيطة، ولكن بين أكبر عدد منهم بهدف جمع مبلغ مالي كبير يستحق سخونة المراهنة وفي حالة الخسارة لا يتكبد المشارك منهم ما يستحق الندم عليه.

ولفت إلى أن تلك المراهنات تتم في سرية تامة وبين أشخاص تربطهم علاقة وثيقة سواء ممن يعملون في مكان واحد أو يقطنون في وحدات سكنية مشتركة، حيث دأب الهنود على السكن بالمئات في منزل واحد، غير أن عددا قليلا جداً من المقاهي في إمارة عجمان شهد تنظيم بعض هذه المراهنات على مباريات كأس العالم، ولكن بشكل غير معلن، ويحرص المنظمون على وضع شروط واضحة للمشاركة لتفادي الخلافات لاحقاً خشية أن تتطور الأمور وتؤدي إلى فضح أمرهم.

والغريب أن ظاهرة المراهنات امتدت إلى عدد قليل من المواطنين الإماراتيين والمقيمين العرب ممن تجمعهم دوائر العمل، حيث أكد موظف في إحدى الشركات العقارية في دبي أنه ربح من زملائه 3000 درهم، لرهانه على خسارة إيطاليا، وخروجها من الدور الأول، لكنه أعاد المبلغ إلى زملائه بطريقة أخرى، إذ أقام لهم وليمة غداء في مقر الشركة، مما خفف من مصابهم، على حد قوله.

المغرب ومراهنات مشروعة

وتكاد تكون المغرب الدولة العربية الوحيدة التي تعترف وتتعامل مع نظام المراهنات، وتوجد شركة حكومية رسمية تشرف على الأمر بمعرفة وزارة الشباب والرياضة، وهي مؤسسة الألعاب والرياضات، وكانت البلاد قد شهدت أزمة كبرى قبل عامين بعد خروج أحزاب ومؤسسات تطالب بإغلاق مكاتب المراهنات، خاصة المؤسسة الحكومية بدعوة أنها نوع من أنواع القمار، وهو ما دفع وقتها وزير الرياضة محمد أوزين الذي تم إعفاؤه من منصبه أخيرا، لرفض الأصوات المطالبة بوقف المراهنات ووصفها بالقمار، معبراً عن رفض حظر بث إعلانات القمار على شاشة التلفزيون الحكومي، وكشف الوزير وقتها عن أن ثلاثة ملايين مغربي يمارسون الرهان، مشيرا إلى أن الأمر لا علاقة له بتاتا بالجانب الأخلاقي والديني، وإلا وجب منع هذا اللعب وليس تمرير إعلاناته على التلفزيون الحكومي، وموضحا أن المنع ليس حلاًّ بتاتا، ليضيف أن هناك عائدا ماديا كبيرا من هذه اللعبة يعود إلى الدولة ويقدر بثلاثة ملايين درهم مغربي سنويا.

وأخيرا، أعلنت الجامعة الملكية المغربية للفروسية سعيها إلى تطوير قطاع سباق الخيول في المغرب، خصوصا عن طريق عقد اتفاقات شراكة مع شركة يانصيب فرنسية، وأجري أول سباق للخيل، مبرمج ضمن خمسة سباقات، للمرة الأولى في ميدان سباق الخيل في مدينة الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمملكة بحضور، مدير الشركة في فرنسا "فيليب جيجموند"، وتم بث هذه السباقات في سبع دول أوروبية، حيث كان بإمكان المتتبعين المراهنة حتى على الخيول المشاركة من المغرب، يشار إلى أن ما يقرب من 1800 سباق للخيل تقام في المغرب سنويا في ستة مضامير مخصصة لذلك، وتم الترخيص للمراهنات واليانصيب في المغرب منذ ما يقرب من قرن، لكن يمكن تفسير ضعف الإقبال عليها بتحريم الإسلام لألعاب الميسر.