لن تحتاج لأدوات "المحلل السياسي" ولا مواهب "الخبراء الاستراتيجيين" لتدرك أن سياسة السعودية الخارجية هي الأكثر استقرارا فهناك خبرات متراكمة، وأعراف مستقرة، يلمسها الُمتابع لشؤون المنطقة، فلم تشهد المملكة تحولات جذرية، على غرار جاراتها خارج منظومة مجلس التعاون الخليجي، كمصر وسورية والعراق واليمن، ومن أقصى الشرق السوفيتي، لأقصى الغرب حيث "العم سام" الذي صار منذ غزو العراق إحدى دول الجوار "اعتباريا" كونه حاضرا بقواعده العسكرية ونفوذه السياسي لكن حملت سنوات ما يُسمى "الربيع العربي" لاعبين آخرين لا يُستهان بهم كالدب الروسي والتنين الصيني، وبالتالي صارت "خارطة التحالفات" أكثر تعقيدا مما كانت عليه قبل غزو العراق، الذي كتب نهاية أحادية القطب.

وربما تبدو قراءتي لمواقف السعودية الخارجية بديهيات للقارئ الخليجي، لكن "التنظيم الدولي للإخوان" بزخمه الإعلامي يُشيع بين المصريين أن تحولاتٍ جذرية ستحدث عقب تولي الملك سلمان عرش المملكة، ويشيرون لترتيبات البيت الداخلي التي أجراها كقرينة على تحول موقف الرياض الداعم لمسار "مصر ـ السيسي" وبالطبع فهذا قياس فاسد، فالشأن الداخلي أمر معتاد لجميع الملوك الراحلين، بينما السياسة الخارجية تبدو كأنه "المعلوم من الدين بالضرورة" لا يحتمل اجتهادات وتكهنات، فمصلحة المملكة مع الدول وليست "التنظيمات الإرهابية" كما اعتبرتها رسميا، وتشارك كلاعب أساسي بالحرب ضد هذه التنظيمات الإرهابية، وبالتالي فمزاعم الإخوان وأبواقهم مجرد "لغو أخرق" يفتقد للمنطق، ناهيك عن حسابات السياسة الواضحة للعيان.

"ستدعم المملكة مصر حتى الرمق الأخير" قالها لي دبلوماسي سعودي مرموق، وكان تعليقي "أنني أدرك ذلك وأراهن عليه بما تبقى من أيام كتبها لي الله تعالى"، ففي الوقت الذي كانت آلة الإخوان الإعلامية تبث شائعاتها وتخرصاتها كان وزراء سعوديون ينسقون مع إبراهيم محلب رئيس الوزراء المصري للمؤتمر الاقتصادي المرتقب لمساندة مسار 30 يونيو برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي، مدعوما بإرادة غالبية المصريين، فضلا عن ولاء الجيش وتناغم كافة المؤسسات السيادية، خلافا للوضع الذي اختلقه الرئيس المعزول محمد مرسي وجماعته التي استعجلت قطف الثمرة بالتغول على مرافق الدولة فاصطدمت بها لترتكب حماقة تاريخية دفعت ثمنها من حاضرها ومستقبلها فادحا، وتحولت من "جماعة حاكمة" لمنظمة إرهابية منبوذة إقليميا باستثناءات محدودة من بعض الدول.

عبر مشاركاتي بمقابلات تلفزيونية مصرية ودولية لمست هواجس النخبة السياسية والإعلامية، وأدهشني تبنيهم لحديث "الإفك الإخواني" الشائع عبر مواقع التواصل الاجتماعي الإلكترونية، ومقاهي مصر التي تُنافس مساجدها وكنائسها ازدحاما وصار كل المصريين "محللين سياسيين" يذهبون بعيدا بآراء ترجع لطبيعة الثقافة الشعبية المحلية التي لا تكترث لما يجري خارج الحدود، وكنت أصرخ كصوت صارخ في البرّية: هذا محض لغو أنتم لا تعرفون السعودية ولا مليكها الجديد، وكانت المناقشات الحارة تنتهي بالأمنيات بصدق رؤيتي التي لخصتها بأن سلمان كان شريكا لأخيه المرحوم عبدالله بصياغة مواقف المملكة الخارجية، وأنها ليست قابلة لتحولات درامية فلا تبتلعوا طُعم "الدعاية السوداء" التي تبثها جماعة الإخوان ومن يدعمونها إعلاميا.

عقب الجريمة الوحشية التي شهدتها سيناء مؤخرا، وراح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى من العسكريين، وتبناها ما تُسمى "ولاية سيناء" والذي كان يحمل اسم "أنصار بيت المقدس" وبايع "داعش" ليحمل اسمه الجديد، تلقت القاهرة مئات البرقيات والاتصالات للتعزية والتأييد، لكن استوقفتني لهجة برقية المملكة بلهجتها الصريحة كصحراء الربع الخالي، فتيقنت أنني ما زلت بكامل قواي العقلية بمواجهة هواجس التشكيك التي شاعت مؤخرا بفعل تأثير الحرب الإعلامية الإخوانية وظهيرها "المعروف" وأنني لم أكن أمارس التطمينات، فلست مُتحدثا باسم المملكة، لكن تربطني علاقات طيبة أعتز بها بزملاء صحفيين ودبلوماسيين، إضافة لمتابعتي الدقيقة المتواصلة لمسار الأخبار وصناعة القرار، أزعم بيقين أن "رياض سلمان" ستدعم "قاهرة السيسي" حتى تحسم معركتها ضد الإرهاب بشتى مسمياته، سواء حمل بصمة "الدواعش" أو "راية الإخوان" السوداء، وسيرى الجميع مواقف السعودية الحازمة، ليس فقط ضد المنظمات التي انزلقت لمستنقع الإرهاب، لكنها ستمتد لمن يدعمونهم بصرامة أعرفها عن الملك سلمان، فمستقبل الأمم العريقة والدول المحورية لا يحتمل مجاملات ولا مواءمات، فالمخاطر مُحدقة، ولن تدّخر أحدا بالمنعطفات التي تُشكل "حربا عالمية جديدة" بكل معاني هذه الكلمة ومغزاها.