انعقد في واشنطن اجتماع وُصف بـ"قمة هزيمة الجهاد"، برعاية مركز السياسة الأمنية، ضم كبار المتقاعدين الديبلوماسيين الأميركيين والقادة العسكريين والمسؤولين المنتخبين، وبعض المسؤولين المنتخبين الحاليين. وكان من بين المتحدثين السياسي الهولندي جيرت فيلدرز، الذي وصفته مجلة "نيوزويك"، بأنه "الأكثر كراهية للمسلمين الراديكاليين في أوروبا".   

ومما يدعو للتساؤل بشكل جاد هو عدم مشاركة الدول العربية أو علماء الدين الإسلامي، الذين هم حلفاء الولايات المتحدة في الحملة العسكرية الجارية الآن ضد تنظيم داعش في العراق وسورية. وقد يكون المحافظون الأميركيون ارتكبوا خطأ فادحا إذا كانوا يعتقدون أن المعركة ضد الإرهاب يمكن كسبها دون المشاركة الفاعلة والحوار بين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة، والعالم العربي من جهة أخرى.

وفي الوقت نفسه، يلاحظ أن إدارة أوباما قد جددت مشاركتها مع الإخوان المسلمين بطريقة أدت إلى انتقادات حادة وإلى نتائج عكسية في الشرق الأوسط، وهذا في الواقع خطأ خطير. هناك حل وسط، فباستخدام الديبلوماسية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية والنقاش بين قادة الشرق الأوسط، والعلماء ورجال الدين وصنَّاع السياسة الاستراتيجية الغربية سيأتي الحل البديل. ولوضع هذا المفهوم في الاعتبار، يجب أن يُعاد النظر عن كثب في الوضع الحالي لعلاقة إدارة أوباما مع الإخوان المسلمين.

في 27 يناير الماضي، حضر وفد من المعارضين المصريين، ضم بعض الأفراد المحسوبين على الجماعات الداعمة للإخوان المسلمين، ندوة بنادي الصحافة القومي في واشنطن للتنديد بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وحكومته. وقد تم تنظيم هذا الحدث من قبل مركز دراسة الإسلام والديموقراطية، واجتمع الوفد بموظفين رفيعي المستوى بوزارة الخارجية الأميركية. وفي 4 فبراير، اجتمع الرئيس أوباما شخصيا وبمعيته اثنان من كبار مستشاري البيت الأبيض هما: بن رودس نائب مستشار الأمن القومي، وفاليري جاريت المستشار الرئاسي، بوفد من المسلمين الأميركيين شمل شخصيات بارزة من الإخوان المسلمين. ويستنتج من اجتماعات الإخوان المسلمين في واشنطن، التي كانت واحدة منها مع الرئيس أوباما نفسه، أن هناك تناقضات بشأن مصر لا تزال قائمة في واشنطن. وبالتالي فإن تلك الاجتماعات تسبب ارتباكا استراتيجيا في الوقت الذي ينبغي أن يكون الوضوح هو الهدف الأساس. لقد كانت أنشطة الإخوان المسلمين -العلنية والسرية على حد سواء- مرتبطة بأعمال العنف والإرهاب التي كانت موضوع تقارير واسعة النطاق من الأجهزة الأمنية في العديد من البلاد، بما في ذلك الولايات المتحدة.

في الواقع أنه في 15 فبراير، أي بعد مجيء الإخوان المسلمين المصريين إلى واشنطن بأقل من ثلاثة أسابيع بهدف التنديد بالسيسي، بث تنظيم داعش الإرهابي في ليبيا شريط فيديو يوضح قطع رأس 21 رهينة من الأقباط المصريين الذين تم اختطافهم من مواقع في مدينة سرت الليبية في نوفمبر وديسمبر 2014. ويقال إن هؤلاء الأقباط المصريين ذهبوا إلى ليبيا للعمل في صناعة النفط، ولكن جرى اختطافهم أواخر 2014، وقد أصبح ذلك الحدث في طي النسيان تماما. وبعد تلك المجزرة كان مؤيدو الإخوان المسلمين بعيدين كل البعد عن شجب فظائع تنظيم داعش.

وفي غضون أيام، شنت الحكومة المصرية غارات جوية انتقامية ضد مواقع داعش في ليبيا ودعت التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش لتوسيع نطاق حملته الجوية في ليبيا. وجرت مناقشة تلك الضربات الجوية المصرية في الأمم المتحدة وفي الجامعة العربية، وهناك مناقشات أجراها تحالف الأمن الإقليمي العربي في محاولة لوقف المزيد من انتشار أعمال داعش الإرهابية. هناك شيء واحد مؤكد أن مصر نفسها -وليست فقط الحكومة الحالية- تتعرض لهجوم من المتطرفين. في هذه الحالة أصبح غموض الولايات المتحدة تجاه حكومة الرئيس المنتخب السيسي مشكلة. ففي الأشهر القليلة الماضية، صدرت "تصريحات مثيرة للقلق" بشأن سياسة حقوق الإنسان في مصر من المتحدثين الصحفيين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية. وفي الوقت نفسه، لم يكن هناك أي ذكر إيجابي أو دعم من إدارة أوباما لمحاولات الرئيس السيسي لتقوية النمو الاقتصادي والتوسع في مشاريع توفر فرص عمل مستقبلية مثل محور قناة السويس.

في خلال أسبوعين من شهر يناير زار واشنطن وفد من المعارضين المصريين، يتألف من الدكتور ثروت نافع، رئيس البرلمان المصري في المنفى، والدكتورة مها عزام، رئيسة المجلس الثوري المصري، والدكتور جمال حشمت من حزب الإخوان المسلمين (حزب الحرية والعدالة)، والدكتور عبدالموجود دريري، والقاضي وليد شرابي، الأمين العام للمجلس الثوري المصري، وهؤلاء يمثلون المجموعة التي رعت اجتماع 27 يناير. ويشار إلى أن أعضاء هذا الوفد لا يعترفون سواءً بالانتخابات المصرية عام 2014 أو بحكومة السيسي.

يُذكر أن مركز الدراسات الإسلامية والديموقراطية في الولايات المتحدة يعمل منذ 1999، بما يشبه اللوبي لجماعة الإخوان المسلمين، وأنه يُجري اتصالات واسعة النطاق مع مسؤولي الإدارة الأميركية. وقد تلقى منحا من مكتب الديموقراطية وحقوق الإنسان والعمل التابع لوزارة الخارجية، والصندوق الوطني للديموقراطية، ومبادرة الشراكة الشرق أوسطية. 

هناك ما يبرر واقع الانتقاد، حيث أكد باتريك بول، محلل الأمن القومي ومقره واشنطن، أن اجتماع وزارة الخارجية مع الإخوان المسلمين في واشنطن "يدل على أن هناك رفضا واسع النطاق لجماعة الإخوان المسلمين في جميع أنحاء الشرق الأوسط، خاصة ذلك الرفض الذي يتمثل في أكبر احتجاج يُسجله التاريخ البشري في مصر يوم 30 يونيو 2013، الذي أدى إلى الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، الذي لم تعترف وزارة الخارجية وإدارة أوباما بإطاحته. مما يُعد إهانة مباشرة لحلفائنا المصريين، الذين هم في صراع وجودي ضد الإخوان المسلمين، والجميع يسعون لتحقيق الإسلام المعتدل" ولا تزال نخبة السياسة الخارجية في واشنطن تعتقد أنهم سيحققون الديموقراطية في الشرق الأوسط".

يدافع مسؤولو وزارة الخارجية عن لقاءاتهم مع الإخوان المسلمين، ويدَّعون أن سياسة الوزارة هي "التواصل" مع كل العناصر السياسية في مصر. لكن الأكثر من ذلك، هو إحياء السياسة التي وضعها البيت الأبيض في وثيقة لا تزال سرية تسمى "توجيه الدراسة الرئاسي" التي وصفتها في وسائل الإعلام باعتبارها تفويضا مطلقا لعمل الإدارة الأميركية مع الإخوان المسلمين كمحرك لتحقيق "الديموقراطية" في الشرق الأوسط!

أخيرا، لم يترك التعامل المزدوج من البيت الأبيض والمحافظين في الولايات المتحدة إلا قليلا لحلفاء الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط للتعامل معهم.. لقد حان الوقت لواشنطن لتضع حدا لهذه الأخطاء.