غريب ما يحدث في كرة القدم عندنا من تناسب عكسي بين حجم الإنفاق والاهتمام والمتابعة الإعلامية والجماهيرية مع النتائج!

كانت موارد الأندية ومداخيلها المالية قبل سنوات أقل مما هي عليه الآن بمراحل، لكن نتائجنا الكروية وإنجازاتنا الإقليمية والقارية والدولية في ذلك الحين أكبر وأنجز.

اندفعنا بهمة لا تحد نحو كرة القدم فزاد الاهتمام وتبعته زيادة في الإنفاق، وتبعت ذلك زيادة التغطية الإعلامية الدؤوبة، وتبعت ذلك زيادة في الشحن والاحتقان والتعصب الجماهيري، واستتبع ذلك كله انصراف إداري وجماهيري عن الألعاب المختلفة التي كانت تأخذ فيما مضى حيزاً من الاهتمام وتحقق نصيباً من الرضا لدى بعض الأندية، والجماهير التي قد تخفق نتائجها في كرة القدم فتعوضها –وإن على نحو أقل- ببطولة محلية أو إقليمية في كرة الطائرة أو السلة أو تنس الطاولة. لقد كان لهذه الألعاب نجومها الجماهيريون، ففي كرة الطائرة هناك فواز المسعد وصالح السعيد ورفعت طاشكندي ومحمد أحمد والحريشي.. وفي السلة زكريا لال والسويلم وعبدالله خلف والأخوان الجاسر.. وفي تنس الطاولة رائد الحمدان وربيع أبو السعود، وفي كرة اليد صالح الطريقي والوهيبي.. وكان التنافس على أشده في كرة الطائرة بين الهلال والأهلي والرياض، وفي السلة بين أحد والهلال والاتحاد والأنصار والنصر، وفي اليد بين الأهلي والعربي والهلال والخليج، وكانت أنديتنا ومنتخباتنا تحقق بطولات ونتائج تنافسية في المضامير الخليجية والعربية على صعيد الألعاب المختلفة، وكرة القدم التي سيطرنا على منافساتها الآسيوية ووصلنا أربع مرات متتالية إلى كأس العالم.

لكننا خلال السنوات القريبة الماضية ركزنا كل اهتمامنا على كرة القدم وأهملنا ما سواها، ومع ذلك أخفقت نتائجنا في القدم واليد والطائرة والسلة وغيرها.

لقد زادت مداخيل الأندية على نحو غير مسبوق، لكنها مع ذلك ظلت غير كافية رغم انصراف معظمها في حقل كرة القدم التي حفلت بتنافس في الهدر والإسراف والمبالغة في عقود اللاعبين الأجانب والمدربين، ثم ما صارت تشكله الشروط الجزائية من أدوات ضغط على الأندية عندما تكتشف الأندية –أحياناً- أنها قد تورطت مع مدربين أو لاعبين "مقالب" أو أنهم "نصف استواء" أو أن الانسجام لم يتحقق بين الطرفين لأسباب عديدة، وهكذا تتوالى الشكاوى داخل أروقة الاتحاد الدولي على الأندية السعودية التي تتورط لاحقاً في تعمد بعض اللاعبين أو المدربين الأجانب مناكفة النادي كي يرضخ لمطالبه أو يضطر إلى إلغاء عقده ثم يفتح النادي باب التبرع لجمع "شرطه الجزائي" الضخم!

ما زلنا نؤمل في مراجعة هذه الأسباب المجتمعة التي قادت إلى إهمال ألعابنا المختلفة والتركيز الأكبر والأوحد على كرة القدم، وكذلك مراجعة التنافس الضار الذي فاق حده بين الأندية والذي قاد إلى تضخم وتورم عقود بعض اللاعبين المحليين الذين لا يستحقون ما يتحصلون عليه مقابل ما يبذلونه من أداء وانضباط، والحال كذلك مع "تدليع" اللاعبين والمدربين الأجانب وإغراقهم بالهدايا والأعطيات.

ولا بد أن يتواصى رؤساء ومسؤولو الأندية على اتفاق شرف برعاية ورقابة اتحاد كرة القدم على عدم الدخول في التنافس الضار الذي يصب إيجاباً في خانة الأجانب، كما يجب تفعيل الثواب والعقاب لدى لاعبينا المحترفين، وتقييد التدخلات الشرفية التي تخلق ولاءات خارج دائرة الانضباط.

كما أن لوزارة الثقافة والإعلام دورها في ضبط موجة الاهتمام الكاسح والمبالغ فيه بكرة القدم ومنافساتها، والذي قاد إلى هذه الموجة العالية من التعصب والاحتقان وما أفرزه ذلك من اتهامات واختلافات.

لقد فاق الأمر حده المعقول، وعلينا أن نعترف أن احترافنا الكروي قد انحرف عن جادة الصواب.